وسط “فائض” من التوزيعات والتسريبات التجريبية التي تعكس اتجاهات القوى السياسية المختلفة وأهدافها التوزيرية وحصصها في كعكة الحكومة العتيدة من دون اثبات أي اتجاه حقيقي للصورة التي سترسو عليها مسودة التركيبة الحكومية، شكلت زيارة الرئيس المكلف نواف سلام مساء أمس إلى قصر بعبدا واجتماعه مع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ما يمكن اعتباره الرسم الأول الجدي الذي يعتد به للتركيبة العتيدة.
ولعل العامل اللافت الذي برز في الساعات الأخيرة تمثل في اجتهادات استباقية لبروز أولى معالم مسودة التشكيلة الحكومية لجهة رفع أصوات سياسية معترضة على تثبيت منح حقيبة المال للثنائي الشيعي مع حقائب خدماتية “وازنة” والتحذير من أنها قد تصبح البديل من الثلث المعطل. ومع أن هذا الأمر بقي قيد التثبت في انتظار أن يفرج الرئيس المكلف الملتزم ابقاء مشاوراته واتصالاته بعيدة عن الإعلام، عن المعالم الاساسية للمهمة التي يتولاها، فإن بعض الجهات بدأت تتخوف من آثار التهافت على التوزير ورمي الألغام في وجه عملية التاليف بحيث قد يستجر عدم لجم هذه العاصفة التوزيرية والرضوخ لها احتمال قيام تشكيلة تقليدية لا يفترض بالرئيس المكلف ورئيس الجمهورية السير بها لأنهما مؤتمنان على مناخ تغييري كبير ولو أدى الأمر بهما إلى إحداث صدمة حادة لدى القوى السياسية واستيلاد صيغة تغييرية إصلاحية بكل المعايير تأتي على قياس ما يتوقعه منها الرأي العام اللبناني باكثريته الكاسحة كما المجتمع الدولي.
تبعاً لذلك اتّسم موقف الرئيس سلام عقب اجتماعه بالرئيس عون بدلالات مهمة لجهة حرصه على تبديد التكهنات والشكوك والتسريبات الكثيفة عن مشروع التشكيلة الحكومية مصراً على التزام معايير الدستور والتغيير الإصلاحي المنتظرة منه، وكانت أبرز رسائله ما أعلنه أنه هو من يشكل الحكومة وليس تالياً صندوق بريد لمطالب القوى والكتل، كما بدا لافتاً عدم التزامه بمهلة معلنة للولادة الحكومية وأكد أن “تأليف الحكومة يسير بخطى ثابتة ونعمل من دون كلل مع رئيس الجمهورية”، مشيراً إلى أن “تشكيلها يسير وفقاً للآلية الدستورية”. وقال: “وزارة المال ليست حكرًا على طائفة أو ممنوعة عنها وكل الحقائب بالنسبة إلي سيادية. وأنا هنا لأخبركم بشفافية وصدق أن تأليف الحكومة يسير بثبات وأعمل من دون كلل أو ملل مع فخامة الرئيس”. وأضاف: “هناك آلية ومسؤوليتي تشكيل الحكومة وأنا على تواصل مع الكتل وأتداول وأتشاور معها لكنني أنا من يشكلها ولست LibanPost”. وأكد سلام أنه لم يعد أحداً بشيء، وشدد على أن “أسلوب العمل جديد لكن علينا أن نتعلم احترام الدستور وأؤكد التزامي بالمبادىء التي حددتها في كلمتي الأولى وأعمل من دون كلل أو ملل مع فخامة الرئيس”. وقال: “الحكومة التي قبلت تأليفها أريدها حكومة نهوض وإصلاح لأن عليها مسؤوليات غير مسبوقة وملتزم ألّا أوفّر أي جهد لتأليف الحكومة بسرعة والأهم أن تكون وفية لتطلّعات اللبنانيات واللبنانيين”.
وفي غضون ذلك تستعد الجهات الرسمية لاستقبال وزيري الخارجية السعودي والكويتي في زيارتين متعاقبتين قبل نهاية الأسبوع الحالي. وأعلن أمس وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود أن “انتخاب رئيس للبنان بعد فراغ طويل أمر إيجابي للغاية”، وقال: “نحن في حاجة إلى رؤية إجراءات وإصلاحات حقيقية من أجل زيادة مشاركتنا وأعتزم زيارة لبنان هذا الأسبوع”. وأضاف: “يجب تجنب الحرب بين إيران وإسرائيل والمحادثات التي تجري في لبنان حتى الآن تدعو للتفاؤل”.
(النهار)