ثلاث مهمات محورية وضعها “حزب الله ” في رأس جدول أعماله في مرحلة ما بعد وقف المواجهات مع الإسرائيليين، ونذر نفسه لها تماما، بل إنه يعدّها تحديات عليه أن يترك الآن ما عداها ويوطن نفسه ويبذل جهوده لمواجهتها.
وفي الأولويات تأتي مهمة إقناع الحزب جمهوره وبيئته، واستطرادا من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج بأنه لم يغادر الميدان، واستتباعا “لم يستنزف كل قواه” وما زال قويا كفاية ليبقى في صلب المعادلة الداخلية، خصوصا بعدما تقلص إلى حد التلاشي ظل حضوره الإقليمي بفعل التطورات والتحولات الأخيرة، ولا سيما في سوريا التي لم تعد كما كانت ملاذا له وشريان الإمداد الحيوي.
وعليه، يركز المتكلمون باسم الحزب على مسألة أساسية هي نفي صفة “الهزيمة” عنه من خلال القول إن “مجرد صمود المقاومة هو انتصار محقق”.
وفي هذا السياق يقول نائب الحزب عن صور حسن عزالدين في اتصال لـ”النهار” إن “نفس بقاء المقاومة نعتبره نصرا ومصدر اعتزاز لنا، ولا سيما إذا ما استرجعنا تهديدات قادة الاحتلال ووعيدهم الدائم طوال أكثر من عام بسحق المقاومة واجتثاثها ورفض التفاوض معها بأي طريقة، لكن هؤلاء أنفسهم ما لبثوا أن تراجعوا عن هذا الشعار ورفعوا بديلا منه شعار “نزع سلاح المقاومة” وتقويض بنيتها العسكرية، لكنهم سرعان ما تخلوا عن هذا المطلب وقبلوا باتفاق وقف النار والعودة إلى القرار 1701 من دون تغيير.
أما المهمة الثانية التي يتنكبها الحزب فتقوم على:
– إطلاق تبريرات وتفسيرات حول تملص إسرائيل من التزام مضامين الاتفاق المبرم على أساس الورقة الأميركية، ومضيها قدما في أعمال القتل والاغتيال ونسف البيوت ومنع الأهالي من العودة إلى منازلهم في أكثر من 60 بلدة حدودية.
– التأكيد أن تطبيق الاتفاق في قابل الأيام لا يعني أن ثمة أمرا واقعا جديدا سيفرض على الحزب والجنوب بجزأيه جنوب الليطاني وشماله، بحيث يفضي إلى إنهاء أي وجود عسكري للحزب في الجزء الجنوبي حيث هناك ثلاث عيون راصدة هي لجنة الإشراف التي يرأسها ضابط أميركي، إلى الجيش اللبناني المعزز والقوة الدولية (اليونيفيل).
لذا فإن الحزب بات في موازاة التسليم بالواقع الجديد في منطقة جنوب النهر، على أن يعتبر أن شمال الليطاني هو واقع آخر مختلف لا يخضع لما يخضع له الوضع جنوبه.
وبالإجمال، يبدو أن الحزب ألزم نفسه الإثبات أن المقاومة التي يتنكبها مهمة أساسية له منذ عام 1982 لم تُستنفد على الأرض وأنها ليست قاب قوسين من “التسريح” بعدما باتت لزوم ما لا يلزم كما يردد أعداؤه.
وفي هذا السياق يقول عزالدين: “إن اتفاق وقف النار وضع كمسار لوقف العدوان، ونحن نلتزمه أخلاقيا ووطنيا”.
ويتحدث عن خرق إسرائيل المستمر لهذا الاتفاق “وهو ما دفع المقاومة إلى توجيه رسالة تحذيرية عبر مزارع شبعا، واختيارها هذا المكان أسبابه متعددة، منها أن الحزب لا يتحمل تبعة خرق الاتفاق لكون المنطقة لا يسري عليها القرار 1701، وهي رسالة أدت غرضها، إذ فهم العدو أن المقاومة لم تخرج من معادلة الردع، كما حضت لجنة المراقبة على ضرورة التعجيل في عملها”.
وهذا يعني في رأي عزالدين “أن المقاومة تؤكد أيضا أنها ترفض فرض وقائع جديدة على الأرض، وتصبر، لكنّ لصبرها حدودا”.
أما المهة الثالثة التي تكتسب صفة العجلة عند الحزب فهي إزالة آثار الحرب. وتحت هذا العنوان يؤكد عزالدين “أن الحزب بدأ يضع خطته لملاقاة هذه المرحلة فيما كانت المواجهات في ذروتها، يقينا منه أن العدو بوحشيته تلك يريد إنهاك بيئة المقاومة وجعلها ترتد على الحزب، لذا بمجرد أن صمتت المدافع كانت اللجان والفرق العاملة في “مشروع التعافي من آثار العدوان” تباشر مهمة مسح الأضرار في كل المناطق التي طالها العدوان. وبحسب معطياتنا، فإن هذه الفرق الخبيرة قد أنجزت ما يزيد على 80 في المئة مما هي مكلفة القيام به، ما خلا البلدات الحدودية التي منع العدو سكانها من العودة إليها، وسيتم في القريب العاجل الشروع في إجراءات التعويض وفق آلية دقية وعلمية”.
ولا ينكر أن “ثمة تحديا آخر يواجه الحزب هو إزالة الركام والأنقاض خصوصا في الضاحية لجهة مكان رميها”. ويجدد عزالدين “التزام الحزب شعار إعادة إعمار ما هدمته العدوانية الإسرائيلية في وقت قياسي”.
كأن الحزب يبين بذلك أن مسألة العودة إلى المواجهات قد انتفت وأنه بات أمام مهمات أخرى…