منذ الأسابيع الأولى لتسلم الرئيس جوزف عون مقاليد الرئاسة، حفلت الأوساط السياسية باستنتاجات مفادها أن الرئاسة الأولى أخذت على عاتقها تنظيم حوار مباشر بينها وبين “حزب الله” يفضي إلى صيغة معينة يسلّم عبرها الحزب كل مخزونه من السلاح. وكان واضحا أن عون أطلق هذا الوعد لتلافي تبعات:
-حملة عالية النبرة أطلقتها جهات لبنانية رفضت مطلقا فكرة حوار وطني شامل يضع استراتيجية دفاعية وطنية يكون سلاح الحزب جزءا منها.
-مخاوف الحزب وجمهوره من إمكان حدوث صدام على خلفية هذا السجال.
وبناء على هذا “التعهد”، انهمك محللون سياسيون في تحديد مواعيد لبدء هذا الحوار المنتظر، لكن المواعيد سرعان ما كانت تمر بلا نتيجة. وعلى رغم مرور ما يقارب من أربعة أشهر على العهد الرئاسي الجديد ما زالت الأمور عند مربعها الأول، فلا الحوار المنشود انطلق ولا الحزب بادر إلى تسليم سلاحه.
واقع الحال هذا دفع برافضي السلاح إلى رفع أصواتهم متهمين الدولة بالعجز والقصور ومطالبين إياها بالوفاء بتعهداتها وطي صفحة السلاح إنفاذا لما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري. وفي الوقت عينه، ما انفك الحزب على موقفه المعهود، ومؤداه أن ثمة أولويات ينبغي أن تتحقق قبل أن تصل الأمور إلى نقطة البحث في تسليم السلاح.
وبين هذا وذاك يبدو الرئيسان عون ونواف سلام مضطرين إلى الرد على سؤال محوري يوجه إليهما دوما: متى موعد رؤية الحزب أعزل من ترسانته العسكرية أو ما تبقى منها؟
وغالبا ما تتركز الإجابات على الآتي:
-لا مفر أمام الحزب من التزام ما سبق أن وافق عليه عندما صوّت للرئيس عون وأعطى حكومة سلام الثقة، وبالتالي لا عودة إلى الوراء.
-إن أمر التسليم، وإن يكن محسوما، فمن غير الممكن تحديد مهلة زمنية وإلزام الحزب بها، لأن المهم ألا يقود البحث في هذا الموضوع إلى تفجير الأوضاع، وخصوصا أن الإسرائيلي ما زال يمعن في عدوانيته ويحتل قسما من الأراضي اللبنانية.
لكن هذا التبرير من الدولة، وخصوصا رأسها الأول، لم يرض بطبيعة الحال المعادين بضراوة لسلاح الحزب، خصوصا أن ثمة جهات دولية تربط تقديم مساعدات للبنان بنزع هذا السلاح، ولا ريب في أن خشية هؤلاء كانت ترتفع مع سماعهم أصواتا لها شأنها في الحزب تهدد بضرب أي يد تفكر في نزع السلاح.
وسط كل ذلك، يُطرح السؤال: ماذا لو تحقق هذا الحوار الموعود؟ وماذا لو لم يتحقق؟
مصادر على صلة بالحزب تقلل من أهمية الحديث عن قرب انطلاق الحوار المباشر مع القصر، وتقول إن الحوار بدأ في شكل غير مباشر، إذ إن الحزب قدم على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في آخر إطلالتين له، رؤيته الحاسمة لهذه المسألة، ومحورها أن الحزب قدم أقصى ما يمكن أن يقدمه ولا تنتظروا تاليا أن يكون عنده بعد ما يعطيه.
وتفصيلا، تقول المصادر عينها إن الحزب قدم 90 في المئة من ترسانته العسكرية في منطقة جنوب نهر الليطاني، ولولا تباطؤ الجيش لكان أنهى تسليم كل ما في حوزته في تلك البقعة الجغرافية، وبذلك يكون الحزب أنجز ما هو مطلوب منه بموجب اتفاق وقف النار، مع أن إسرائيل ماضية في عدوانها.
وعليه، فإن كل كلام يخص منطقة شمال الليطاني أو سواها يبقى مجرد كلام لا علاقة للحزب به ولا واقع عمليا له.
انطلاقا من هذا، لم يعد مهمّا أن يلتقي وفد من الحزب الرئيس عون في ساعة قد تكون قريبة أو بعيدة، خصوصا أن التنسيق بين الطرفين قائم على مدار الساعة، وأن الحزب يعتبر نفسه كما قال أمينه العام شريكا للعهد، وقد أفصح مرارا عن ارتياحه إلى أداء العهد.
وفي الموازاة، فإن المصادر عينها تؤكد أن الأداء المتوازن والمتعقل للعهد واستيعابه للضغوط عليه في شأن السلاح، يأتيان من إدراكه أن بين نجاح مسيرة العهد أو إخفاقه خيطا رفيعا، فهو مضطر إلى استيعاب تلك الضغوط من خلال أدائه المتزن الذي تمسك به ومن خلال خطابه اليومي المشدد على اعتبار أن مسألة تسليم السلاح أمر مقضي ولم يعد أمام الحزب إلا القبول بـ”مفهوم الدولة” وفق ما قال رئيس الجمهورية في إطلالته الأخيرة.
وإذا كان الحزب يبدو مرتاحا إلى علاقته بالعهد فإنه أبلغ إلى من يعنيه الأمر أنه مضطر إلى التساكن مع العدوانية الإسرائيلية، والعض على الجراح اليومية الناتجة منها.