بيت ياحون، أو بيت الحنان والرحمة، هي بلدة جنوبية من قرى قضاء بنت جبيل في محافظة النبطية، يحدّها تبنين شمالاً وبرعشيت وأطراف صفد شرقاً، كونين جنوباً، والطيري وعيتا الجبل وحدّاثا غرباً.
رئيس بلدية بيت ياحون مصطفى علي مكّي ذكّر بأنّ البلدة “هي بوابة التحرير إلى قرى الشريط الحدودي أيام الإحتلال الإسرائيلي، فلكلّ حجرة وصخرة ومنزل فيها، حكاية”، وقال: “هي حكايات من ساعات الإنتظار الطويلة وليالي العذاب عند كل مشوار بين المنطقتين؛ المحرّرة والمحتّلة. ولبيت ياحون حكايات طويلة أيضاً عن المقاومة التي سال الكثير من دمائها عند تلالها، حتى كُتب لها التحرير في شهر أيار 2000، هذا التاريخ الذي كان من المفترض أن يشكّل ولادة جديدة لها، ولكن ويا للأسف، حاضرها لا يشبه في شيء صخب الأيام الأولى للتحرير”.
وشرح مكّي أنّ بيت ياحون “هي مدخل قضاء بلديات بنت جبيل، وقد استحدثها العدو الإسرائيلي معبراً لأكثر من 20 عاماً. وخلال عامي 1975 و1978، خدم في البلدة أكبر ضباط في الجيش اللبناني، وقد تقاعدوا اليوم وتوفّى البعض منهم، بعدما سطّروا الملاحم البطولية المشرّفة في البلدة، ولا تزال دشم الجيش موجودة فيها، حيث كانت له نقطة عسكرية كبيرة ومميّزة وثابتة نسبة لموقعها الجغرافي، إذ ترتفع عن سطح البحر نحو 900 متر، وهي البلدة الثانية في الإرتفاع في منطقة بنت جبيل بعد مارون الراس، لذلك مكث فيها العدوّ عشرات السنين، بعدما جرف منازلها الكائنة على مدخلها، مُستحدثاً له مواقع عدّة فيها، من أبرزها موقع مميّز لمربض الميركافا، وموقع بجانب المعبر. ولا ينسى أحد أنّ تدمير أوّل ميركافا على يد المقاومة في جنوب لبنان كان في بلدة بيت ياحون، ووقعت في بركة البلدة. أما بالنسبة إلى المعبر الأسطورة، فقد تمكّن المقاومون من الاستيلاء عليه، وقتل وجرح وأسر من بداخله، كما استولوا على ملّالة للعدو وأسروا من بداخلها ونقلوها إلى بيروت، ليتمّ تقديمها كهديّة مع بندقية، إلى سيّد شهداء الأمّة الشهيد السيد حسن نصر الله”.
وتابع مكّي: “كذلك، كان لبيت ياحون حصّتها الكبيرة من الصمود والإنتصار بعد المعاناة لدى انسحاب العدوّ من الجنوب سنة 2000. وفي حرب الـ 2006 المسمّاة بحرب الـ 33 يوماً، أعاد التاريخ نفسه، إذ شهدت البلدة أياماً صعبة مع وصول العدوّ إلى أطرافها ومكوثه لأيام قبل أن ينسحب بعد فشله في دخولها، إلا أنّها دفعت ضريبة الدم مجدّداً مع سقوط شهداء مدنيين ومقاومين من أبنائها وتضرّر منازلها والمجازر التي ارتُكبت فيها، ما دفع الأهالي إلى النزوح عنها إلى أماكن أكثر أمناً وأماناً، لتدفع مجدّداً خلال عدوان أيلول 2024 سبعة شهداء على مذبح الوطن”.
ودان رئيس البلدية ممارسات العدوّ العدوانية، “فهم دعاة حرب واحتلال منذ البدايات، ونحن دعاة سلام. فمن يقتل الأطفال والنساء، ويهدم البيوت، ويغتصب الأرزاق، لا يُؤتمن كجار، فكيف إذا كانت الأرض التي يقطن عليها كي يصبح جاراً لنا هي بالأساس أرض فلسطين المغتصبة التي نبعد عنها 6 كلم”؟ ورأى “أنّ ما عجز العدو عن تحقيقه في أيام الحرب، يسعى إلى تحقيقه خلال وقف إطلاق النار، حيث يواصل انتهاكاته وأعمال النسف والتفجير، في دلالة واضحة على طبيعته العدوانية، مُستغلاًّ عدم وجود رجال المقاومة على الأرض، وهذا برسم اللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار، والحكومة والجيش اللبناني الذي نأمل منه القيام بواجبه، كما عوّدنا دائماً”.
يبلغ عدد سكان البلدة الإجمالي نحو 4500 نسمة ما بين مقيمين ومغتربين، يسكن منهم في الشتاء نحو 1200 نسمة مع بعض الأجانب، ليرتفع هذا العدد صيفاً إلى نحو 2000 نسمة. ويعتمد معظمهم على الزراعة كمصدر دخل أساسي لهم وقد اشتهرت البلدة بزراعة الزيتون والتبغ والتين وأشجار اللوزيات، وكذلك بتربية المواشي.
طيلة حرب الإسناد، صمد الأهالي في البلدة قبل أن ينزح بعضهم منها مع توسّع العدوان.
وأوضح مكّي “أنّ البلدية لم تترك الصامدين بل ظلّت في خدمتهم وسعت جاهدة لتأمين متطلّباتهم على قدر امكاناتها المتواضعة، وقد عملنا باللحم الحيّ وطرقنا أبواب الجمعيات والجهات المانحة، وتعاونّا مع المخلصين والميسورين لتأمين بعض الخدمات والاحتياجات الأوّلية للأهالي”.
وأضاف: “عندما بدأ العدوان الشامل، بات الوضع صعباً جداً، فنزح معظم الأهالي من البلدة وتوزّعوا على مناطق عدّة، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، خصوصاً بعد تعرّض العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية للإعتداءات. لكنّنا لم نتخلّ عن واجباتنا في متابعة أوضاعهم وتدبير شؤونهم في مراكز الايواء، على قدر المستطاع، وهنا أتوجه بالشكر من جميع من استقبلهم واحتضنهم”.
وبعد الكشف الذي أجرته “جمعية جهاد البناء” وبدء دفع التعويضات للأهالي، وفي انتظار أن تنهي فرق مجلس الجنوب مسح الأضرار، بدا جليّاً أنّ العدوان على بيت ياحون قد خلّف دماراً واسعاً، بحيث لحقت الأضرار بكلّ منازلها وإن كانت متفاوتة. وفي هذا السياق، تحدّث مكّي عن تسوية ما يقارب 30 منزلاً بالأرض، وعن تضرّر نحو 500 منزل بشكل متفاوت، بحيث أنّ بعضها يحتاج للهدم، والبعض الآخر للترميم أو لإجراء بعض إصلاحات عليه.
كما لحقت الأضرار بمبنى البلدية والمستوصف الصحّي وبمركز الإسعاف، حتى المواشي ومزارع الدجاج لم يوفّرهم العدوّ من اعتداءاته. وبفِعل القصف، تعطّلت شبكة الكهرباء والمولّدات.
ما إن بدأ سريان إتفاق وقف إطلاق النار عند الساعة الرابعة فجر يوم الأربعاء ٢٧/١١/٢٠٢٤، حتى سارع قسم كبير من الأهالي للعودة إلى بيت ياحون، غير آبهين بنداء رئيس البلدية بالتريّث حفاظاً على سلامتهم، فعاد بدوره ليباشر بورشة عمل، بدأت برفع الأنقاض وانتشال جثامين شهداء البلدة بمساعدة فاعلياتها، وفتح الطرقات، وبإعادة المولّدات إلى العمل وتأمين الإنارة خلال الساعات الأولى للعودة، ومن ثم تأمين عودة التيار الكهربائي بعدما أجرت فرق الصيانة التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان الاصلاحات اللازمة على الشبكة، لتنعم بيت ياحون بالتيّار على نحو شبه دائم، إلى جانب توفير المياه. وبذلك، حجزت البلدية مكانها الأول في إتحاد بلديات قضاء بنت جبيل لجهة تأمين هذه الخدمات، في رسالة واضحة للعدوّ بأنّ إرادة الحياة والصمود تبقى أقوى من آلة الدمار، وبأنّ الأهالي عادوا يتذوّقون طعم الحرّية مجدّداً.