خطفت الأحداث الأمنية الدامية في الساحل السوري الأضواء، وتصدّرت المشهد السياسي، على اعتبار أنّ هذه الاضطرابات تحدث للمرّة الأولى منذ تولّي الحكومة السورية الحالية السلطة، بين قوات الأمن التابعة للجيش السوري الجديد وأنصار الرئيس السابق بشار الأسد، ما أسفر عن ارتكاب عدد من المجازر ومقتل العشرات.
فكيف بدأت هذه التطورات؟ ومن المسؤول عنها؟ وكيف ستنعكس على المشهد السياسي برمّته؟
في هذا السياق، أوضح الباحث في الحركات الإسلامية نضال حمادة لـ”المدى” أنّ “تحرّك العلويين اليوم في الساحل السوري عفوي وغير منظّم، ولا صحّة إطلاقاً للشائعات التي تروّج بأنّ قائد المجلس العسكري لتحرير سوريا اللواء غياث الدّلا هو من يديره، فالتحرّك انطلق بعد المجازر التي ارتكبت في القرداحة والدالية في منطقة جبلة بمحافظة اللاذقية، وقبلها في حيّ الدعتور في اللاذقية، فهبّ العلويون في انتفاضة ضدّ قوات “هيئة تحرير الشام” وتنظيم “القاعدة”.
وأكد حمادة أنّ ما يحصل “لا يعني أنّ النظام السوري السابق قد عاد، بل إنّ تحرّك أهالي المدن والقرى العلوية جاء بعدما طفح كيلهم من ممارسات عناصر “جبهة النصرة” وتنظيم “القاعدة” اليومية في حقّهم، وقد تنوعّت بين القتل والإهانة والشتم وإجبارهم على إصدار أصوات حيوانات بعد طردهم من وظائفهم ومنعهم من حراثة أرضهم وزراعتها، فبات الوضع مأساوياً بالفعل. فأمام الوضع الجديد في المنطقة واستنساخ سيناريو “داعش” التي طردت المسيحيين من الموصل والعراق وكذلك الإيزيديين، وسبي نسائهم، جاء التحرك العلوي الشعبي العفوي ردّاً على الممارسات الإضطهادية ضدّهم، لا أكثر ولا أقلّ”.
وشرح حماده بـ”أنّ دخول “هيئة تحرير الشام” إلى الساحل السوري، تمّ في الأساس، بناء على إتفاق مسبق، والمفارقة أنّ الشيخ شعبان منصور الذي تمّت تصفيته مع نجله في حلب أمس، هو أحد الأطراف الذين تم الاتفاق معهم لدخولها من دون مقاومة”.
وأوضح أنّ خالد الفيومي، “وهو ابن اللاذقية ونائب رئيس الهيئة العسكرية الأوكرانية لصناعة المسيّرات يمتلك شركة لصناعتها في أوكرانيا ويحمل الجنسيات الأوكرانية والسورية والأميركية، شكّل وسيطاً بين الهيئة والعلويين، فاتصل بالقائد السابق للحرس الجمهوري طلال مخلوف، وبقائد قوات الدفاع الوطني في دمشق سابقاً فادي صقر، اللذين اتصلا بدورهما بالشيخ شعبان منصور، فاتصل الأخير بالعلويين وتمّ الاتفاق على دخول “هيئة تحرير الشام” إلى كل الساحل السوري من دون قتال، وهذا ما حصل. لكن وبعد دخولهم، أضرموا النيران في قبر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في محافظة اللاذقية قبل تدمير المراكز والمقامات العلوية واضطهادهم وقتلهم وإرغامهم على إصدار أصوات الكلاب والحمير وإهانتهم يومياً إلى أن طفح الكيل، فثار العلويون في انتفاضة ضدّ نظام طائفي إجرامي سلفي تكفيري يعتبر أن العلويين غير جديرين بالحياة ويكفّرهم بكينونتهم.”
وشدّد حمادة على “أنّ صدمة سقوط النظام السوري قد انتهت، والعلويون حملوا السلاح، ما يعني أنّنا أمام مرحلة جديدة، ولن يتراجعوا عن انتفاضتهم بالرغم من المجازر التي ترتكب اليوم في حقّهم من قبل “هيئة تحرير الشام” والمسلحين الذين أتوا بهم إلى الساحل السوري من دمشق وحمص وأطراف حلب والجنوب والشمال والمنطقة الشرقية، والضرب على الوتر الطائفي الحساس عبر شدّ العصب السنّي ضدّ الطائفة العلوية، وقمع المقاومة اليوم لن ينجح في القضاء عليها إذ ستظهر مجدّداً”.
ورأى حمادة “أننا أمام تغيير كبير في سوريا، بعد تقسيم مناطق النفوذ فيها، فـ”هيئة تحرير الشام” تسيطر على دمشق وحمص فقط بعدما فقدت السيطرة على مناطق شرق الفرات وبات للأكراد حصّتهم، كما فقدت السيطرة على درعا بعد رفض انصياع قائد الجنوب السوري أحمد العودة المُلقب برجل روسيا للجولاني، ولم تتمكّن من دخول جرمانا لا سيما بعد تهديدات بنيامين نتنياهو، وفي السويداء تمّ إنزال العلم السوري عن مبنى المحافظة واستبداله بالعلم الديني لطائفة الموحدين الدروز. وتحاول الهيئة السيطرة على الساحل اليوم، لكن العلويين بدأوا بانتفاضتهم ولن تتمكّن من القضاء عليهم إلا إذا كانت تودّ تهجير 5 ملايين علوي أو ذبحهم جميعاً”؟
وذكر حمادة “أنّ عدد شهداء المذبحة التي إرتكبت في حقّ العلويين قد بلغ 4700 شخص وعدد المفقودين بلغ 12 الف مفقود، أما عدد شهداء الجنود الذين قاتلوا في عملية درع الساحل فهو 30 جندياً، والباقي ما زال على سلاحه في كل مكان، والمعركة لا تزال في بداياتها، لكن القتل الجماعي للعزّل لن يغيّر ابداً بقرار حمل السلاح، فالعلوي ليس لديه ما يخسره أبداً اليوم”.
وأكّد حمادة “أنّ حكومة الشرع تسيطر على دمشق ولكنها تواجه أزمة مالية كبيرة بفعل تمنّع قطر عن دفع قرش واحد من دون رضى السعودية وتحت سقف الخليج، فهي ترفض تكرار نفس الخطأ الذي ارتكبته خلال دعمها الرئيس المصري السابق محمد مرسي”.
وأخيراً، نبّه حمادة من خطورة تداعيات ما يحصل في سوريا على لبنان، من دون أن يُسقِط احتمال تمدّد “هيئة تحرير الشام” إلى الأراضي اللبنانية، “عندما يجهّز الجولاني جيشه تطبيقاً لخطّته، وقد أبدى استعداده كما قال للتحاور مع ايران وإعادة العلاقة معها ولكن ليس مع “حزب الله”، ولبنان من ضمن أهداف “القاعدة” للسيطرة والخلافة الإسلامية. ويشكّل لقمة سائغة بالنسبة اليه ، بعد سيطرته على سوريا “.