جبال البطم، قرية جنوبية وادعة تقع في قضاء صور، تبعد عن العاصمة بيروت 100 كيلومتر، ويحيط بها صدّيقين شرقاً، ياطر جنوباً، زبقين غرباً والرمادية والشعيتية شمالاً.
وعن بلدته، يقول رئيس البلدية حسن عيديبي إنّها “تتربّع على قمم سلسلة جبالٍ وتلالٍ متشابكة، وتُحيط بها أشجار البطم والزيتون والصنوبر التي تمنحها شخصيتها الفريدة، حيث تنساب أغصانُ تلك الأشجار العتيقة كحكايات الأجداد، متشبثةً بالصخور، وتُطلّ المنازل المتناثرة على السفوح كحُرّاسٍ للجمال، فيما تتعانق روائح الأرض مع عبق الأزهار”.
يتجاوز عدد سكّان جبال البطم الـ 3000 نسمة، “يعيشون بين ذاكرة الماضي وأمل المستقبل، متمسّكين بأرضٍ تختزل قصصاً من الكرامة والتحدّي”، وِفق عيديبي، “أما اليوم، وبعدما كانت جبالنا صدى لأصوات الطيور، صرنا نسمع أصوات الركام، بعدما دُمّرت البيوت التي بُنيت بحجارة الصبر، وتضرّرت الطرقات، وبالرغم من كل شيء لا تزال الحياة تنبض في القرية، إذ ننظف الركام بأيدينا، ونعيد بناء ما تهدّم ونزرع بذرة البطم من جديد، فمن رحم الألم هنا يولد الأمل، ونحن لسنا أرقاماً في تقارير، بل بشرٌ نستحق العيش بكرامة”.
وأكّد عيديبي أنّ “العدو لا يعرف معنى السكينة، فقد استهدَفَ بيوتنا، مدارسنا، وحتى الأشجار المعمّرة، وأحرق حقول الزيتون. فهمجيّته لم تميّز بين حجرٍ وإنسان، لكنّه نسى أن جذورنا هنا أعمق من قنابله”.
وأوضح أنّ نسبة 50 في المئة من المنازل هي إمّا مدمّرةٌ أو متضرّرة، فغارات العدوّ تسبّبت بتدمير 44 وحدة سكنية وتسويتها بالأرض، والمدرسة الوحيدة في البلدة باتت غير صالحة للتدريس.
الأضرار لم تقتصر على الماديات، فجبال البطم قدّمت ٢٣ شهيداً، بينهم أطفال وشباب وصبايا وكهول، وفي اليوم الاول للحرب ارتقى ١٨ شهيداً دفعة واحدة لدى استهداف أحد المنازل، كما ارتقى شهيدان من الجيش اللبناني، ما شكّل فاجعة كبيرة وتسبّب بحزن عارم لدى أهالي البلدة.
مع معركة الإسناد وتوسّع العدوان الإسرائيلي، نزح معظم سكّان جبال البطم، ومعهم عائلات سورية مقيمة في البلدة، إلى أرجاء الوطن، ووصلوا حتّى إلى الحدود السورية، ومنهم من هاجر إلى بلدان الاغتراب. وعند توقف إطلاق النار، عاد أغلبهم بالرغم من الخراب الذي حلّ ببلدتهم، وهم يحملون جراحهم و”متاعهم” على الأكتاف، لكن البعض تريّث بالعودة، خوفاً من أن تكون بوابةً لألمٍ جديد، كما أوضح عيديبي، وأضاف: “منذ النكبة ونحن نُجذّر وجودنا هنا، وشجر البطم علّمنا أنّه كلّما قطعتَ غصناً، نبت عشرة مكانه، وسنبقى في أرضنا وسيتعلّم أطفالنا تحت الأشجار ، وسنزرع الأرض، ولو بيدٍ واحدة”.
وشبّه رئيس البلدية الاتفاقيات مع العدوّ بـ”طقس شباط الذي يبدو أنّه هدأ للوهلة الأولى، لكن سرعان ما يخترق البرد الجدران”، ودان انتهاكاته المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار، آملاً في أن انسحابه في 18 شباط وانتهاء العدوان على لبنان.
وأكد عيديبي أنّ الحرب كشفت أنَّ الجنوب ليس أرضاً فحسب، بل جسدٌ واحد، فالمقاومة هي الروح التي تُحرّك إرادة الصمود، والشعب هو القلب النابض بالحياة رغم الجراح، والجيش هو اليد التي تحمي ظهر هذا الجسد. وقال: “لم نكن لنصمد لولا هذا التشابك العجيب. فالمقاومة عطّلت زحف العدو وأعادت رسم خريطة المعركة، والجيش، بجنوده الذين انصهروا مع أهلنا، كان سنداً فهذه الثلاثية جعلت العدوَّ يرتبك. وشجرُ البطم، الذي يُمتدُّ عبر السنين، يؤكّد أن النصر ليس حدثاً عابراً، بل مسيرةُ دمٍ تروي الأرض.
وختم رئيس البلدية بالقول:” جبال البطم ليست مجرد أرضٍ وحجارة، بل إرثٌ من الجمال والتحدي، وشجر البطم صامدٌ في وجه العواصف، وأهلُها يكتبون بكفاحهم فصلاً جديداً من فصول العزّ. فمهما طال الليل، فإن جذورهم العميقة تُنبئ بفجرٍ جديد”.