قانا الجنوبية، أو قانا الجليل، قرية لبنانية تقع في قضاء صور من محافظة الجنوب. تبلغ مساحتها حوالي 11 كيلو متر مربّع وعدد سكانها حوالي 20 ألف نسمة بين مهاجر ومقيم. ترتفع عن سطح البحر 300 متر، ويحدّها دير عامص شرقاً، عيتيت شمالاً، حناويه غرباً وصدّيقين جنوباً .
تحوي قانا على معالم أثرية ودينية عدّة، وهي اليوم من المواقع المقدّسة التي يزورها المؤمنون من لبنان ومختلف أنحاء العالم، باعتبارها المكان الذي حدثت فيه أولى معجزات السيد المسيح، حيث ذكر الإنجيل المقدّس أنّ يسوع الناصري قام بأول أعاجيبه في هذه القرية حين حوّل الماء إلى نبيذ.
وقد تعرّضت قانا عبر التاريخ، للتدمير مرّات عدّة، وشهدت على إحدى أكبر وأفظع المجازر التي ارتكبها العدوّ الإسرائيلي وسُمّيت بمجزرة قانا الأولى، ووقعت في 18 نيسان 1996 حين استهدف مركزاً للقوات الفيدجية التابعة لقوات الأمم المتحدة، لجأ اليه الأطفال وحشوداً من المدنيين اللبنانيين لحماية أنفسهم من قصفه، خلال عملية “عناقيد الغضب”، ليُتبِعْها بمجزرة أخرى في العام 2006، قبل أنّ يُدمّر ساحة البلدة في عدوانه الأخير.
وأوضح رئيس البلدية محمد كرشت أنّ قانا “أصبح لها حكاية في كلّ عدوان، عنوانها الصمود والعيش المشترك وإرادة الحياة، حيث ستنهض مجدّداً وتنفض أنقاضها لتعود أجمل ممّا كانت بهمّة أهلها المقيمين والمغتربين وعزيمتهم.
يبلغ عدد سكّان قانا المقيمين حوالي 7000 نسمة، ونزح منهم حوالي 97 في المئة إلى مناطق متعددة من لبنان كالشوف، عاليه، بيروت، صيدا، طرابلس والبترون .. ومنهم من غادر لبنان إلى العراق وتركيا وأفريقيا وغيرها من الدول. الجزء الأكبر منهم عاد مع إعلان وقف إطلاق النار فيما لا يزال الجزء الآخر خارج البلدة بسبب تدمير منازلهم بالكامل وعدم أهليّة بعضها للسكن.
حصيلة الأضرار
وكالعادة، نالت قانا النصيب الأكبر من العدوان، ولكن هذه المرّة، ساحة البلدة كانت في دائرة الاستهداف المباشر والعنيف، فهي تحوي على بيوت قديمة ذات طابع تراثي، ومحال تجارية يعود بناؤها إلى ما قبل العام 1960، لكنّها أُبيدت بالكامل واختفت أثارها بنسبة 80 في المئة.
ووِفق متابعات البلدية، جاءت حصيلة الأضرار التي تسبّب بها العدوان على الشكل التالي:
هدم 80 مبنى بشكل كلّي عبارة عن 320 شقّة سكنية، وهدم 35 مبنى بشكل جزئي عبارة عن 45 شقّة سكنية، واحتراق 156 محلّاً بشكل كامل، وتضرّر 75 محلّاً بشكل جزئي، حصول أضرار في زجاج وأبواب 6116 شقّة.
كما لحقت الأضرار بشبكات الكهرباء والمياه، وبعدد كبير من الأراضي الزراعية وأشجار الزيتون والحمضيات وبالأشجار الحرجية والمزارع والخيم البلاستيكية، وتضرّر عدد كبير من الآليات.
وأمام فظاعة هذا المشهد، قال رئيس البلدية: “نكاد لا نصدّق ما حدث، فالمشاهد الهمجية تعيدنا إلى غياهب العصور الأولى من تاريخ البشرية”. وتابع: “إذا كانت ممارسات العدوّ غير مستغربة، على اعتبار أنّ هذه هي طبيعته العدوانية الدموية منذ نشوء الكيان الغاصب، وتاريخه حافل بالحروب والقتل والتدمير والتهجير، إلّا أنّ المستغرب جدّاً هو الصمت العربي والدولي، عن ممارساته وسياسته التوسّعية بعد التهجير الممنهج لشعوب المنطقة، وكأنّ خلف هذا الصمت مؤامرة، إذ لا يمكن أن يصل حجم الجريمة إلى هذا الحدّ من دون أن نسمع صوتاً عالمياً، وأقلّه عربياً، يدين هذه الجريمة ويدعو مجلس الأمن الى الانعقاد ومقاضاة اسرائيل”.
مرحلة التعافي
لدى انتهاء الحرب، عقدت البلدية سلسلة اجتماعات لخلية ادارة الأزمة لتسهيل عودة النازحين، بعد التنسيق مع الجيش اللبناني لإزالة الذخائر غير المنفجرة، وبعضها لا يزال موجوداً حتى اللحظة.
وفي هذا السياق، قال كرشت: “نحن الآن في مرحلة التعافي ولملمة الجراح وإعادة نبض الحياة الى البلدة، بعدما سارعنا فور العودة إلى إطلاق حملة طوارئ، شملت فتح الطرقات الرئيسية والفرعية ورفع الأنقاض، وتنظيف الشوارع والأحياء بالتعاون مع فاعليات البلدة والجمعيات الأهلية، وصيانة شبكات الكهرباء وخطوط المياه والهاتف. كما عملنا على تشكيل لجنة لإحصاء الأضرار، ومساعدة متوسطة قانا وثانوية قانا الرسميتين على متابعة العام الدراسي حضورياً، وتنظيم عملية هدم المنازل ورفع الركام، وتوزيع المساعدات العينية وتأمين أماكن سكنية. وشكر للأهالي والجمعيات والفاعليات تعاونهم، كما شكر المغتربين “الذين قدّموا أنبل صورة عن أشكال التضامن والتكافل في أصعب الظروف “.
واستعجل كرشت، الحكومة، “دفع التعويضات للمتضرّرين لإعادة الإعمار وتأهيل المنازل والمؤسسات التجارية ودعم المزارعين وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم”.
أخيراً، دان رئيس البلدية انتهاكات العدوّ المستمرّة لاتفاق وقف إطلاق النار، مُعوّلاً بشدّة “على إرادة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الصلبة ومتابعته للموضوع لوضع حدّ لهذه الخروقات وانسحاب العدو في 18 شباط الجاري وعودة جميع الأهالي إلى قراهم”.