خفايا قرار طبع فئات أعلى من الليرة اللبنانية

الإثنين ٢٨ نيسان ٢٠٢٥

خفايا قرار طبع فئات أعلى من الليرة اللبنانية

جاسم عجاقة – الديار

أقر مجلس النواب في جلسته الأخيرة تعديلات على قانون النقد والتسليف، وبالتحديد المواد التي تسمح لمصرف لبنان بطباعة فئات جديدة من الليرة اللبنانية (500 ألف ومليون ليرة)، مع الحفاظ على حجم الكتلة النقدية في السوق. ومن المتوقّع أن يعمد مصرف لبنان إلى القيام بدراسة حول مواصفات الفئات التي سيتمّ طبعها وكمّيتها، بشكل لا تؤثر فيه بالكتلة النقدية الموجودة اليوم في السوق.

بالطبع هناك أسباب موجبة لهذه التعديلات، وعلى رأسها تخفيف كلفة طباعة الأوراق من الفئات الأصغر، وتسهيل حياة المواطنين، وتخفيف مخاطر نقل الأموال على الشركات… إلا أن التداعيات (غير المقصودة) لهذا الإجراء كثيرة، وقد تُعطي مفاعيل اقتصادية عكس ما تريده الحكومة في برنامجها الإصلاحي.

العملة الوطنية هي أكثر من وسيلة تبادل في الاقتصاد، حيث لا يقتصر دورها على التبادل التجاري فقط، بل تتمتّع أيضا بأبعاد استراتيجية كتعزيز الهوية الوطنية وإعطاء اللون السياسي للحكومات. ويتأثر الرأي العام بحسب قوّة العملة الوطنية، إذ إن توقعات دائمة بانخفاض العملة تُثير الرأي العام تجاه السلطة السياسية، وتؤدّي إلى خسارتها في الانتخابات. لذا لا يمكن اعتبار أن طبع فئات أعلى من العملة ليس له تأثير ولا تداعيات اقتصادية أو اجتماعية. فما هي التداعيات؟

1- الإشارة السلبية بتوقّعات تضخمية مستقبلية، سواء من باب ارتفاع الأسعار أو من باب طبع العملة. وهذا الأمر يؤدّي حتما إلى خفض الثقة بالعملة الوطنية من باب عدم الاستقرار، وإحجام المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في لبنان كعلامة ضعف الاقتصاد، وهو ما يؤثّر في سعر الصرف والتدفقات الإجنبية.

2ـ تسهيل اقتصاد «الكاش»، من خلال تسهيل المعاملات ذات الأرقام الكبيرة، كما وزيادة مخاطر التهرّب الضريبي والأنشطة غير المشروعة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون 44/2015. الجدير ذكره أن القانون يلحظ عبارة «مع الحفاظ على حجم الكتلة النقدية في السوق»، وهو ما يوحي بعدم طباعة جديدة للعملة.

2ـ طبع فئات أكبر من العمّلة قد يُسرّع اعتماد أنظمة الدفع الرقمية، حيث يجد الناس أنه من غير العملي حمل أوراق نقدية كبيرة للمعاملات اليومية. إلا أن هذا الاحتمال لم تتمّ ملاحظته إلا في الاقتصادات المتطورة، حيث هناك نظام مصرفي وبسط كامل لسيادة الدولة المالية على أراضيها. أمّا في حال لبنان، فالاحتمال الأكبر هو زيادة التعاملات بـ «الكاش» مع سيناريو فقدان المصرف المركزي السيطرة على الكتلة النقدية، في حال تمّ تخزين الأوراق النقدية الجديدة أو تمّ استخدامها في أنشطة غير قانونية خارج النظام المصرفي.

3ـ قد يؤثر وجود فئات أكبر من العملة الوطنية في كيفية تدارك الناس لقيمة العملة، فتفسير هذا الإجراء من قبل المواطنين، على أنه ردّة فعل على توقعات بالتضخم أو عدم استقرار اقتصادي، يؤدي إلى الذعر أو التخزين أو التحول إلى بدائل أخرى لتخزين القيمة، حيث يزيد الطلب على العملات الأجنبية أو الذهب.

4ـ تشجيع المواطنين على إدخار هذه الفئات بدلاً من إنفاقها (الإنفاق هو عنصر أساسي في النمو الاقتصادي)، بخاصة إذا اعتبروها عملة غير عملية لمعاملات الحياة اليومية، كما هو الحال في لبنان مع اقتصاد مدولر وتعاملات اقتصادية، تتمّ بشكل شبه كامل بالدولار الأميركي (باستثناء مستحقات الدولة من رسوم وفواتير وضرائب يتمّ استيفاؤها بالليرة وبالكاش).

5ـ حرمان طبقات المجتمع من ذوي الدخل المنخفض، من استخدام هذه الفئات في المعاملات اليومية (تحدّيات عملية)، وهو ما قد يوسّع الفجوة بين مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية.

6ـ توقعات بتراجع العملة وتداعيات نفسية على المواطن من ناحية شعوره بالإذلال. وكردّة فعل، يعمد إلى شراء العملة الأجنبية عبر التخلّص من العملة الوطنية، مما يخلق ضغطًا على هذه الأخيرة، وتُصبح السلطة السياسية رهينة الأسواق المالية والسوق السوداء.

الاستراتيجية المعتمدة من قبل المصرف المركزي منذ آذار 2023 وحتى يومنا هذا، تنصّ على تجفيف السوق من الليرة اللبنانية ودولرة الاقتصاد بالكامل، وهو ما يجعل التوقّعات بشأن سعر الصرف رهينة ما قد يحصل على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، وحلّ لأزمة المودعين ودين الدولة. لذا لا يمكن القول إن طبع فئات كبيرة من العملة، هو خطوة في عملية استقرار العمّلة، بخاصةٍ أنها غير مستخدمة في التعاملات الاقتصادية اليومية.

حذف أصفار؟

تتأثر قيمة العملة الوطنية بعدد كبير من العوامل، منها ما هو أمّني (الحرب والعنف والجرائم)، اقتصادي (السياسة الاقتصادية للحكومة)، سياسي (سياسة الحكومة الداخلية والخارجية)، نقدي (السياسة النقدية)، مالي (وضع المالية العامّة)، وقانوني (القوانين المرعية الإجراء). ويأتي سوء هذه العوامل ليؤثّر بشكل مباشر في قيمة العملة، التي قد تخسر من قيمتها مقابل العملات الأخرى.

وكما أن طبع فئات أعلى من العملة هي وسيلة لمواجهة التضخّم، يظهر حذف الأصفار من العملة الوطنية، كإحدى الوسائل المُتاحة أمام الحكومة (حذف الأصفار هو عمل سياسي بامتياز) لمنع اختراق العملات الأجنبية، وتحسين الوضع الاقتصادي ودعم السياسة النقدية. ومن الأهداف الأخرى لحذف الأصفار من العملة، كسب مصداقية دولية، جذب الاستثمارات الخارجية، السيطرة على سوق القطع، خفض الضغوطات التضخّمية، زيادة الثقة بالنظام السياسي الحاكم، وتعزيز الهوية الوطنية.

لكّن فعالية هذا الإجراء تبقى رهينة عدد من العوامل، مثل الاستقرار الاقتصادي (على الصعيد الماكرو)، خفض التضخّم وبالتالي ضبط الأسعار، استقرار سعر صرف العملة الوطنية، لجم الإنفاق الحكومي، الدعم الشعبي للحكومة في سياستها، والأهمّ الاندماج السلِس في الاقتصاد العالمي.

وبالتالي فإن الدوّل التي قامت بحذف أصفار من عملتها من دون تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة ومفهومة من قبل الشعب والأسواق، لم تُعط المفعول المرتقب فحسب، بل أدّت إلى تدهور العملة من جديد بعد فترة وجيزة. أكثر من 71 دولة حذفت أصفارا من عملاتها منذ العام 1960، وخلال الخمسين سنة الماضية، قامت 19 دولة بحذف أصفار من عملاتها الوطنية أكثر من مرّة (4 مرات في الأرجنتين، 5 مرات في يوغوسلافيا السابقة، 6 مرات في البرازيل، مرتين في بوليفيا، 3 مرات في أوكرانيا…). وتبقى البرازيل البلد الأوّل في العالم من ناحية إزالة الأصفار، حيث إن عدد الأصفار التي قامت بإزالتها من عملتها هو 18 صفرا!

وكما في حال طبع فئات أعلى من العملة، لحذف الأصفار تداعيات سلبية قد تكون كارثية كتأثير التضخم الناتج من تدوير الأسعار، تكلفة القائمة (Menu cost)، التأثير النفسي للنقص في الأجور، عودة الأصفار المحذوفة بعد فترة وجيزة، تكاليف إعادة إصدار العملة الجديدة، مشاكل في تحديد الأسعار على الأمد القصير، تدهور العملة وظهور التضخم، فشل المشروع في حالة عدم دعمه من قبل المواطنين، انخفاض الصادرات نتيجة لارتفاع قيمة العملة الوطنية…

من هذا المنطلق، نرى أن حذف أصفار من الليرة اللبنانية (مثلًا كل ليرة جديدة = 50 ألف ليرة قديمة) لن يكون فعالا، إلا إذا اقترن بخطّة اقتصادية واضحة، وسياسات مكافحة التضخم، وإجراءات تقشفية في الإنفاق العام، والانتظام المالي للدولة، كما ومحاولة التخلّص من العجز الطويل الأمد في الميزانية. وفي حال لبنان، يواجه اقتصاده وماليته ونظامه المصرفي أزمة معقدة، حلولها مغموسة بطعم سياسي مرّ، مما يجعل من شبه المستحيل على الحكومة اللبنانية تنفيذ عملية حذف الأصفار بنجاح.

في الختام، يبقى القول إن كلتا الطريقتين لا تُشكّلان حلًا للأزمة الخانقة التي يعيشها لبنان، بل إن الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة، هو عبر بسط سلطة الدولة العسكرية والأمنية والمالية على الأراضي اللبنانية، والقيام بإصلاحات جذرية تشمل مؤسسات الدولة والقطاع المصرفي والقطاع العام، علّ المستقبل يكون أفضل بالنسبة للأجيال القادمة.

شارك الخبر

مباشر مباشر

09:37 am

الإمارات: الحرس الوطني يخلي 24 شخصاً من ناقلة نفط جراء تصادم سفينتين ببحر عمان

09:33 am

قوى الأمن: توقيف سارق سيارات ومحال تجارية في طرابلس

09:29 am

«فلاي دبي» تعلق رحلاتها إلى أربع دول حتى نهاية حزيران

09:11 am

أدرعي: جيش الدفاع قضى للمرة الثانية على رئيس أركان الحرب في إيران وأرفع قائد عسكري للنظام الإيراني علي شادماني

09:10 am

وسائل إعلام إسرائيلية: الدفعة الصاروخية الإيرانية تراوحت بين  20و30 صاروخا

09:04 am

جدول جديد لاسعار المحروقات… كم بلغت؟

08:55 am

سقوط صاروخ إيراني بشكل مباشر على مبنى بمنطقة تل أبيب الكبرى

08:53 am

وصول اول طائرة عراقية من البصرة

08:45 am

الجيش الإسرائيلي: إنذارات أولية عن هجوم صاروخي إيراني وشيك باتجاه إسرائيل

08:36 am

سماع دوي انفجارين كبيرين في مدينة تبريز بشمال غرب إيران

08:28 am

متحدث باسم داوننج ستريت: ستارمر التقى بماكرون على هامش قمة مجموعة السبع واتفقا على ضرورة أن يكون الشرق الأوسط محورا رئيسيا لتركيز الشركاء بالمجموعة خلال اليومين المقبلين

08:23 am

يسرائيل هيوم عن مصادر: الجيش الإسرائيلي فتح تحقيقا بشأن عدم انطلاق تحذيرات قبيل الهجوم الإيراني الأخير

08:06 am

الجبهة الداخلية “الإسرائيلية”: صفارات الإنذار تدوي في جنوب الجولان خشية تسلل مسيرة

07:49 am

أمبري قالت إنها تلقت تقريرا عن واقعة شرق خورفكان في الإمارات

07:43 am

لبنان يتحصّن لتحييده عن الحرب ويستعين بالأميركي برّاك للجم إسرائيل

07:40 am

صاروخ إيراني يدمر مختبراً في معهد وايزمن ويتسبب بانهيار ثلاثة طوابق

07:38 am

عناوين الصحف الصادرة صباح الثلاثاء ١٧ حزيران ٢٠٢٥

07:36 am

عراقجي: على أعدائنا أن يعلموا أنهم لا يستطيعون الوصول إلى حل عسكري أو إجبار إيران على قبول مطالبهم

07:35 am

قادة مجموعة السبع دعوا الى خفض التصعيد الإقليمي وترامب غادر مبكرا لبحث التصعيد بين ايران واسرائيل

07:31 am

تداعيات الحرب الإيرانية الإسرائيلية لن تتأخر بالوصول الى لبنان

07:28 am

عون وسلام: لا مصلحة للبنان في التورط بالحرب الدائرة

07:24 am

إسقاط مسيّرة إسرائيلية بالقرب من منشأة نطنز النووية وسط إيران

07:13 am

ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا

07:04 am

لاكروا في بيروت اليوم

07:00 am

ملف السلاح الفلسطيني مؤجل؟

06:58 am

لا تطمينات اميركية للبنان

06:54 am

دعوة غربية لاستثمار اللحظة لنزع السلاح الغير شرعي

06:45 am

بري: إذا انتصرت إسرائيل “ستكون هي الوحيدة” في المنطقة

06:28 am

أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الثلثاء في 17 حزيران 2025

06:05 am

وكالة مهر: الحرس الثوري يعلن أنه قصف بصواريخ باليستية القاعدة التي استهدفت مقر التلفزيون الإيراني

11:55 pm

وسائل إعلام إسرائيلية: اعتقال عدد من الصحافيين الأجانب كانوا يفتحون الكاميرات باتجاه مواقع استراتيجية في حيفا

11:53 pm

“هآرتس”: إسرائيليون وأجانب يفرون عبر اليخوت إلى قبرص

11:52 pm

الطائرات الإيرانية المسيرة تدمر المنظومة الدفاعية الإسرائيلية بعيدة المدى

11:46 pm

“تسنيم”: تفعيل الدفاعات الجوية في طهران

11:44 pm

ألمانيا تعتزم إجلاء مواطنيها من “إسرائيل” عبر الأردن

11:44 pm

“أكسيوس”: واشنطن أبلغت حلفاءها أنها لن تنخرط في الحرب

11:39 pm

وسائل إعلام إسرائيلية: في “إسرائيل” يأخذون تهديدات الإيرانيين على محمل الجد، ويستعدون لقصف واسع النطاق الليلة

11:38 pm

“يديعوت أحرونوت” عن مسؤول بهيئة أركان “إسرائيل”: قضينا على القيادة العسكرية العليا في إيران

11:37 pm

غروسي: منشأة التخصيب فوق الأرض في نطنز دمرت لكن لا مؤشرات على هجوم على المنشأة تحت الأرض

11:34 pm

وزارة الطاقة الإسرائيلية: قطاع الطاقة قادر على تلبية احتياجات البلاد من الوقود