حسن حردان – البناء
رسّخ التشييع المليوني للأمينين العامين لحزب الله الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، القناعة لدى الأصدقاء والأعداء، بأنّ شعبية المقاومة وحزبها لم تتراجع، بل انّ هذه الشعبية ازدادت وباتت أكثر التفافاً ودعماً له في خياراته المقاومة، وانّ الحرب «الإسرائيلية» واغتيال القادة، وفي مقدمهم الأمين العام للحزب سماحة السيد نصر الله، لم تضعف الحزب او تؤثر على حضوره الشعبي، بل أدت إلى تعزيز شعبيته واكتسابه المزيد من التأييد والمصداقية، وان الحملة الإسرائيلية الأميركية، والتي واكبتها بعض القوى اللبنانية الداخلية لأجل محاولة النيل من حزب الله وإضعافه ونزع سلاحه المقاوم لم تثمر وجاءت نتائجها مخيّبة لآمال هذه الأطراف التي فوجئت بالحضور الرسمي والسياسي والحزبي من كافة التلاوين، وكذلك الحضور العربي والدولي من عشرات الدول، وكذلك بالحشد الشعبي المليوني في التشييع، مما وجّه صفعة قوية لرهاناتهم وضربة موجعة لمخططاتهم لإعادة رسم المشهد الداخلي اللبناني، ومشهد الصراع مع الكيان الإسرائيلي من دون وجود حزب الله المقاوم، وأظهر التشييع المهيب انّ مرحلة ما بعد حزب الله التي بشرت بها السفيرة الأميركية في بيروت، إنما هي مرحلة رسمت في مخيّلتها فقط، وانّ الواقع جاء ليقول ان حزب الله قوة شعبية وسياسية مقاومة متجذرة في نسيج المجتمع اللبناني، من كل الطوائف، وان من يريد سلخه عن بيئته الشعبية المؤيدة لنهجه المقاوم عليه ان يتخلص أولا من هذا الجمهور اللبناني العريض وهو أمر مستحيل لان هذا الجمهور يمثل أغلبية اللبنانيين..
لهذا فإن قوة المقاومة وحزبها إنما تكمن في هذا الدعم والاحتضان الشعبي اللذين تحظيان به، لان المقاومة لا تعيش وتستمر من دون دعم الشعب لها، تماما مثل السمك الذي يموت عندما يتم إخراجه من البحر…
من هنا فإن المشاركة الجماهيرية الضخمة في تشييع شخصية بارزة مثل القائد الكبير السيد نصرالله، تجاوزت في حضورها وتأثيرها الجغرافيا وبات لها أبعادها الوطنية والقومية العربية والعالمية، إنما لها دلالات عميقة وانعكاسات متعددة على المستويات اللبنانية والعربية والدولية، يمكن تلخيصها كالتالي:
أولاً: الانعكاسات على المستوى الوطني اللبناني، وتأكيد القاعدة الشعبية غير المسبوقة لحزب الله المقاوم:
1 ـ أظهرت المشاركة الواسعة دعماً جماهيرياً كبيراً للحزب، مما أعاد تعزيز شرعيته كحركة سياسية وقوة مقاومة ضد الاحتلال…
2 ـ شكل الحضور رسالة داخلية ذات دلالة بالغة تؤكد بأن الحزب ما زال قادراً على تعبئة الشارع رغم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعانيها لبنان.
3 ـ سيؤدي هذا الحدث الكبير إلى أعادة تظهير النفوذ السياسي للحزب الذي اثبت انه لم يتراجع، وتأكيد حضوره القوي في المشهد السياسي اللبناني، وأنه ليس بالإمكان تجاوزه او القفز فوق رأيه وموقفه في اي قضية او مسألة داخلية.
ثانياً: الانعكاسات العربية…
ـ يُعتبر حزب الله أحد أبرز حركات المقاومة التي شكلت قدوة ونموذجاً في خوض حرب المقاومة الشعبية المسلحة ضد جيش الاحتلال الصهيوني وإلحاق الهزيمة به مرتين عام 2000 وعام 2006، لذا فإن إظهار قوته الشعبية مجددا في هذا التوقيت بعد استشهاد امينه العام سوف يعزز من قوة قوى المقاومة والتحرر في المنطقة، ويبدد الدعاية الصهيونية المزيفة التي حاولت ادّعاء انّ حزب الله المقاوم قد انهار وبات غير قادر على النهوض بعد استشهاد قائده ورمز انتصاراته. وهو ما عكسه الحضور الواسع لحركات المقاومة وأحزاب وقوى قومية وتقدمية عربية جاؤوا من بعض الدول العربية لحضور مراسم وداعه.
ثالثاً: الانعكاسات على مستوى الصراع مع الاحتلال الصهيوني والغرب
1 ـ العلاقة مع «إسرائيل» والغرب
ـ وجهت المشاركة الجماهيرية الضخمة رسالة قوة من المقاومة باتجاه كيان العدو الإسرائيلي، الذي اعتقد انه تمكن من توجيه ضربة قاصمة للمقاومة التي شكلت ولا تزال التحدي الأكبر لاحتلاله، فإذا به يفاجئ بهذا الحضور الشعبي في التشييع الذي أكد ان قوة المقاومة وحزبها لم تتأثر ولم تتراجع على الصعيد الشعبي.
ـ أصيبت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بالصدمة والذهول، لأنهم اعتقدوا واهمين ان مرحلة حزب الله طويت ودشنت مرحلة جديدة في لبنان، كما بشرت السفيرة الأميركية في بيروت خلال العدوان الاسرائيلي.. ولهذا من المتوقع أن تقرر هذه الدول مواصلة سياسة فرض الحصار على لبنان ووضع الشروط لرفعه والسماح بوصول المساعدات إلى لبنان لإعادة إعمار ما دمره العدوان الصهيوني.
رابعاً: تعزيز الشرعية الثورية للمقاومة والدلالات السياسية
ـ عزز الحشد الجماهيري المهيب الشرعية الثورية لحزب الله كحركة مقاومة شعبية ضد الاحتلال وبالاستعمار الغربي، مما يعطيه تفويضاً لمواصلة الكفاح المسلح لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة والتصدي للاعتداءات الصهيونية، ومحاولات العدو فرض معادلات جديدة باستباحة السيادة اللبتاتية.. خصوصا بعد أن فشل الجهود الدبلوماسية للدولة اللبنانية في تحقيق هذه الأهداف، ويتأكد ان العودة إلى سياسة قوة لبنان في ضعفه لن تجدي نفعا مع عدو يزداد غطرسة وعدوانية كلما شعر ان الطرف المقابل له ضعيفاً، ونموذج سورية بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد أكبر دليل، حيث استغلّ العدو الصهيوني الحدث ودمر قدرات سورية العسكرية وتوسع في احتلال أراض سورية جديدة في الجولان وسفوح جبل الشيخ وأعلن أخيراً انه لن يسمح بوجود اي قوى عسكرية للدولة في كل الجنوب السوري.. في سياق خطة إسرائيلية للتدخل في الشأن الداخلي السورية.
ـ من المؤكد ان حدث المشاركة الشعبية الواسعة في التشييع ستوفر مادة اعلامية تسهم في دحض كل الروايات الزائفة التي تتحدث عن تراجع شعبية حزب الله ودوره المقاوم والتي استندت إلى الخسائر التي تعرّض لها واستشهاد قيادات بارزة له وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سورية.
خلاصة القول إن المشاركة المليونية في التشييع إنما هي مؤشر ذات دلالات بالغة تعكس القوة الكبيرة لحزب الله التنظيمية والشعبية.. وإن مقاومة حزب الله وغيرها من المقاومات الوطنية إنما هي نتاج لوجود الاحتلال واستمرار اعتداءاته، وعدم القدرة على فرض تطبيق القرارات الدولية، التي تلزمه بالانسحاب ووقف اعتداءاته، وطالما هناك أرض محتلة وانتهاك مستمر للسيادة الوطنية وعجز عن إلزام «إسرائيل» بالانسحاب من كل الأراضي اللبنانية التي تحتلها فإن الحق باستمرار المقاومة إنما هو حق شرعي كفلته شرعة حقوق الإنسان واتفاقية جنيف، وشرائع السماء…