أيّ نتيجة استقرّت عليها المبادرة الشاقة والشائكة التي تولاها قبل فترة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وجال بها مرات عدة على كتل نيابية متوخياً من ورائها الإسهام في إخراج الرئاسة الأولى من حال الاستعصاء والانسداد؟ وهل يمكن الحكم عليها من منطلق أنها كانت قفزة في فراغ أم كانت مستندة الى وقائع ومعطيات قوية؟
هذا السؤال صار مشروعاً طرحه بعدما قطع الرجل مسافات في سياق الترويج لهذه المبادرة التي بدت منذ انطلاقتها محفوفة بالالتباسات ومحاصرة بالشكوك والظنون. والمعلوم أن تلك الظنون حامت استهلالاً حول من الذي يدفع بهذه الشخصية التي تتمتع بقدر من الاستقلالية وحرية الحركة والكلام على رغم أنه يشارك في اجتماعات “تكتل لبنان القوي” وهو قد ترشح أصلاً على لائحة “التيار الوطني الحر” في المتن.
فضلاً عن ذلك ثمة من سارع سلفاً لإعطاء هوية لهذا الحراك عندما “اتهم” صاحبه بأنه ينسّق حراكه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتلقائياً وجد من يجزم بأن بو صعب لا يمكنه أن ينطلق في رحلة حراكه الحساسة تلك من دون مشورة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. قبيل أيام خرج وفد لقاء “مستقلون من أجل لبنان” من جلسة حوار طويلة مع بو صعب باستنتاجات تكشف أمرين اثنين: المضامين العميقة لمبادرته منذ أن كانت فكرة. والنتائج الأولية التي أسفرت عنها لقاءات عقدها بو صعب مع المعنيين وما يمكن أن يتمخض عنها لاحقاً من مآلات.
لا ينكر بو صعب أن مبادرته تتحرّك حصراً في إطار الكتل النيابية ولا تتعدّاها، ويكشف تالياً أنه حمل في جولاته المكوكية على الكتل سلة اقتراحات يرى أنها يمكن أن تشكل قاعدة انطلاق تفضي الى التفاهم على رؤية حيال خريطة طريق تنتهي الى إنهاء الشغور الرئاسي الحاصل وما ينمو على جانبه من فراغات وشواغر أخرى، واستطراداً هي خريطة طريق لسد الشغور الرئاسي وما بعد ذلك.
وبناءً على ذلك فإن سلة تلك المبادرة تنطوي على البنود الستة الآتية:
– لا تمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ولا عودة الى عهد نقدي يشابه تجربة سلامة خلال العقود الثلاثة المنصرمة التي تربّع فيها سعيداً على رأس هرم السلطة النقدية والمالية العامة في لبنان. وهذا مطلب باسيل المبدئي.
– التعامل إيجاباً مع الخطة الموضوعة من صندوق النقد الدولي لمعالجة الوضع الاقتصادي في لبنان وإسقاط أية تحفظات عليها. وبناءً على ذلك أبدى “حزب الله” استعداده لسحب اعتراضاته السابقة المعروفة التي وصلت الى حد التحريم على التعاون مع صندوق النقد وتقبّل “وصفاته”.
– التهيئة الجدّية لحوار مستقبلي حول السياسة الدفاعية الوطنية على نحو يلبّي مطلب المعترضين على تفرّد “حزب الله” بقرار الحرب والسلم في لبنان.
– إقرار اللامركزية الإدارية الموسّعة، وحسب المعلومات فإن “حزب الله” في طور التقبّل لكنه ما زال على اعتراضه على اللامركزية المالية.
– العمل على إزالة كل أشكال الظواهر التي تؤدّي الى عزل لبنان عن محيطه العربي والدولي، على قاعدة الاستفادة من التطورات والتحولات الاقليمية التي أعقبت اتفاق بكين وقمة جدة الأخيرة.
– البحث جدّياً لإقرار قانون انتخاب جديد يحل محل القانون الحالي بعدما بات مرذولاً.
وقد أبلغ بو صعب زواره أن هذا المطلب لم يعد مطلباً هجيناً يتيماً إذ تقاطع الرئيس بري وبكركي على المطالبة به.
كذلك أبلغ بو صعب زواره بأن الرئيس بري صار على اقتناع بأن سلة البنود الستة التي يحملها زاداً لمبادرته لا تتناقض في جوهرها مع توجهاته ورؤاه في هذا الإطار سواء تلك التي عرضها عندما سبق له أن وجّه دعوتيه الى طاولة حوار وتلك التي فاتح الجانب السعودي بها قبيل فترة والقائمة أساساً على سلة متكاملة للرئاستين الأولى والثالثة وعلى تفاهم شامل على الالتزام بخطة النهوض الاقتصادية الشاملة وركيزتها الأساس خطة صندوق النقد.
ولم يتوان بو صعب عن أن يفصح عن الاستنتاجات التي استقر عليها بعد المرحلتين الأولى والثانية من مسار مبادرته وأنها تتلخص بالآتي:
– لا رئيس جديداً ينهي الفراغ من دون الاتفاق والتفاهم مع الثنائي الشيعي وهذا يعني استطراداً أن لا مجال للإتيان برئيس يواجه هذا الثنائي.
– أن باريس، خلافاً لما يشاع أحياناً لم تفتر همّتها أو تنهِ مبادرتها حيال ملء الشغور الرئاسي وهي الآن في المئة خطوة الأخيرة لإيصال المرشح سليمان فرنجية الى سدّة الرئاسة.
في الأبعاد المسكوت عنها في مبادرة بو صعب والتي استنتجها الوفد الزائر أنه يحاول إيجاد قواسم مشتركة بين الثنائي الشيعي مع رئيس “القوات اللبنانية” ورئيس “التيار” كل على حدة. وإذا قدر وسجل تقدّم في هذا الحوار على قاعدة الركائز الست فهذا يعني ضمناً أن باسيل أعطى موافقة مسبقة على خيار الثنائي للرئاسة.
ولقد رجحت كفة هذا الاعتقاد خلال الساعات الـ48 الماضية في أعقاب “نعي” رموز من “التيار” للاتصالات التي انطلقت سابقاً بين الطرفين (القوات والتيار) للاتفاق على مرشح مشترك وهو الوزير السابق جهاد أزعور تحت ذرائع عدة أبرزها أن التيار لن يسير في خيار رئيس لا يقبله “حزب الله”.
وثمة من يذهب به الاستنتاج الى حدود القول بأن باسيل ربما يضمر أن يبقى وحيداً في الحوار المسيحي مع الثنائي ويريد استطراداً أن يحصل على تعهد من الثنائي بإقرار قانون اللامركزية الإدارية الموسعة وأن يحصل أيضاً على تعهد منهما بفتح الباب مستقبلاً على حوار جاد ومنتج لإقرار السياسة الدفاعية على أن يسبق ذلك تسمية خلف لسلامة بالتنسيق التام معه.
وإن صحّت تلك التوقعات فإن ثمة ما يلي ذلك وهو أن يشارك باسيل في تأمين النصاب اللازم لانعقاد جلسة انتخاب فرنجية. وثمة تكهن بأن تنقسم كتلة باسيل الى قسمين بحيث يعطى فرنجية من ستة الى سبعة أصوات لتأمين الإسناد المسيحي لانتخابه. وبعدها قد ينتقل باسيل الى خندق المعارضة بالتنسيق مع ثنائي “القوات” والكتائب.
الخيارات أمام بو صعب ليست مقفلة بعد فهو لم يخف في حواره مع زواره أمله بأن تنتهي مبادرته الى طاولة حوار مسيحية نيابية. وعموماً، يبدو بو صعب بعد مرحلتي مبادرته على يقين بأن ما يقوم به ليس بلا جدوى أو عبارة عن مغامرة لملء الوقت بل هو حراك له أسس ومعطيات واقعية ثابتة خصوصاً أنه أثبت أنه على تواصل مع كل الاطراف المسيحية وغير المسيحية وأنه يتمتع بحيّز من الاستقلالية وحرية الحركة.