خاص المدى – جنان جوان أبي راشد
تنحصر أحاديث اللبنانيين هذه الأيام بموضوعَين يتعلّقان بمعيشتِهم، وهما: الطوابيرُ لتعبئة البنزين والتي ما تزال على حالها على الرغم من شبه اضمحلال الدعم، وأسعارُ السلع في محال السوبرماركت والتي ما تزال بدورها على حالها، إذ إنها لم تنخفض مع انخفاض سعر الدولار بنسبة تصل الى حوالى 25%.
يقرُّ بعضُ أصحاب الدكاكين بأن التجّار كانوا يتّصلون بهم لإبلاغهم بالتسعير على دولار 30 ألف ليرة، وذلك في فترة كان يتراوح فيها سعرُ الدولار بين 20 و23 ألف ليرة، أما اليوم وبعد أن تراجع الدولار الذي كان قد لامس 25 الف ليرة، ليصل الى حوالى 15 ألف ليرة، وفي جولة على محال السوبرماركت، فتلاحظُ أن الاوراق على الرفوف حيث تقرأُ سعرَ كلِّ سلعة يميلُ لونُها الى الاصفرار بسبب قِدَمِها.
لكن ما هي الحجج لعدم خفض الأسعار؟!
الحججُ كثيرة، ومنها أن انخفاض الاسعار يحتاج الى بعض الوقت، وأن انخفاض سعر العملة الخضراء تزامن مع ارتفاع كبير في أسعار المحروقات، وأن عدم ثبات سعر الدولار وحالة عدم اليقين في البلاد يؤديان الى عدم خفضها، وتفادياً لخسارة رأسمال التاجر.
فهل هذه الحجج حقيقية أم واهية؟
يوضح المستوردون أن تقديم لوائح بالأسعار الجديدة الى اصحاب السوبرماركت ثم تغيير الاسعار يحتاجان الى حوالى 5 أيام، لكنّ سعر الدولار انخفض منذ أكثر من 8 أيام بنسبة تصل الى أكثر من 25%، ولم تنخفض الاسعار!
ما هي نسبة تأثير ارتفاع اسعار المحروقات على ارتفاع سعر السلع؟
تقول مصادر معنية بحماية المستهلك إن كل سلعة تحتاج الى كمية مختلفة من الطاقة، فمشتقات الحليب تحتاج مثلاً الى كمية كبيرة جداً من المحروقات، وقد تتراوح نسبة تأثير أسعار الطاقة على السلع الغذائية والاستهلاكية ما بين 1 و30% بحسب كل سلعة، ولا يمكن بالتالي ابداء الرأي حول الأمر وبشكل محدّد ومحسوم.
لجهة ارتفاع أسعار المحروقات، فقد ارتفع سعرُ صفيحة البنزين بنسبةٍ تصلُ الى 38%، الا أن تأثير سعر المازوت وليس البنزين في معظم الأحيان هو التأثير الأكبر على التجار.
سعر المازوت انخفض في الواقع
المازوت المدعوم كانت هناك كمياتٌ قليلة جداً منه في السوق على مدى أشهر عديدة، وكانت غالبية التجار تُعلن أنها تلجأ الى السوق السوداء لشرائه حيث تراوح فيها السعر ما بين 350 و750 ألف ليرة للصفيحة الواحدة، في حين أصبح سعرُ الصفيحة في السوق الحرّة بعد تسعير مادة المازوت بالعملة الخضراء 11 دولاراً، أي ما يوازي 200 ألف ليرة مع إضافة المبلغ المتعلق بالعمولات والجعالة للمحطات والموزعين والمستوردين. ووفق المعنيين بقطاع النفط كانت صفيحة المازوت ب 230000 ليرة عندما كان الدولار ب 19 الفاً. اذاً في المحصلة، هذا يدلّ على أن سعرَ المازوت انخفض على أرض الواقع ولم يرتفع.
ويبقى أن الحديث عن أن عدم ثبات سعر الدولار وحالة عدم اليقين في البلاد تؤديان الى عدم خفض الاسعار، هو مجردُ كلامٍ بمثابة التحليل وليس دقيقاً، وفي حين يقول التجار إن المنافسة تجعلُهم فعلاً يخفّضون أسعارَهم، نجد في المقابل أن الوكالاتِ الحصرية ما تزال مسيطرة في لبنان، والعائلاتِ التي تمتهنُ التجارة والاستيرادَ على نطاقٍ واسع وللسلع الاساسية هي نفسُها منذ أكثر من 70 عاماً، وعددُها محدودٌ جداً وقد لا يتعدّى أصابع اليدَين، فيما اسعارُ غالبية السلع في لبنان تاريخياً هي أعلى بحوالى 30% عن الاسعار كل دول العالم.
إذاً، المنافسة في الواقع غائبة في لبنان، ولا اقتصاد حراً بمعناه الحقيقي، والجشعُ ما زال مسيطراً على الرغم من كلّ النكبات والإفلاسات السياسية الاقتصادية والمالية، ويبقى أن الحفاظ على رأسمال التجار المتصاعد هو أساس البلاء في ما خصّ الأسعار، في وقت تبيّن ومنذ زمن طويل عالمياً أن رقابةَ الدولِ على هذه الأسعار لا تجدي نفعاً بل التأثير هو لفتح باب المنافسة.
وفي النهاية، الأسعارُ في لبنان تتّجه صعوداً بسرعة الأرنب، ونزولاً بسرعة السلحفاة، هذا في حال اتجهت نزولاً ضالّة بذلك طريقَها المعتاد نحو القمم!