رياض طبارة – سفير لبنان في واشنطن سابقا
قبل الغوص بموضوع هذا المقال لا بد من الإشارة الى مسألتين مهمّتين ذات علاقة بالعملية الانتخابية نفسها.
الكل يعلم أن الانتخابات الرئاسية الأميركية ستجرى في 5 تشرين الثاني المقبل. ولكن الحقيقة هي أنها بدأت في أوائل أيلول الماضي.
فالانتخابات الرئاسية، كما الانتخابات العامة، من مستوى الكونغرس إلى مستوى البلديات، تنظّمها كل ولاية على حدة، وكل الولايات تبدأ بالانتخاب قبل الموعد المحدّد لتسمح لغير القادرين على الانتخاب في الموعد، كالمغتربين وذوي الإحتياجات الخاصة وغيرهم، بالاقتراع، إما شخصياً أو بريدياً. في الانتخابات الأخيرة سنة 2020 (سنة الكوفيد) كان حوالي ثلثي الناخبين قد اقترعوا بحلول الموعد الرسمي. لذلك فكلّما اقترب الموعد الرسمي للإنتخاب كلّما أصبح التأثير على مجراها من قبل المرشحين ضئيلاً.
المسألة الثانية هي أن انتخاب الرئيس (أو الرئيسة) ونائبه (أو نائبها) تجرى من خلال مندوبين (538) وأن لكل ولاية حصّتها منهم. ولكن نتائج ما لا يقلّ عن 40 ولاية من أصل 50 معروفة مسبقاً، إذ أنّ هذه الولايات تصوّت تاريخياً للمرشح الديمقراطي (الولايات الزرق) ِأو الجمهوري (الولايات الحمر) من دون استثناءات، فعدد مندوبيها لكل مرشح معروف سلفاً. ولذلك فالمراقبون يتابعون الانتخابات في عشر ولايات على الأكثر (الولايات المتأرجحة)، هذه المرة 7 ولايات اساسيات. وبرأيي أن الذي سينجح هذه المرّة عليه أن يحصل على أصوات المندوبين في أربع ولايات هي بنسلفانيا، ميشيغان، نورث كارولينا وجورجيا، راقبوها. ولكن بصرف النظر عن هذه الإعتبارات الترجيجية، المسألة الأساس هي أن الفارق بين الناجح والخاسر قد لا يتجاوز عادة 2 الى 4 بالمئة من الأصوات، أي ما قد لا يصل إلى أكثر من خمسة ملايين ناخب من أصل 160 مليون.
ماذا يهمّ الناخب الأميركي في الانتخابات الرئاسية؟ أحد مستشاري بيل كلينتون في انتخابات 1992 قالها بطريقته التي أصبحت قاعدة عامة للمعلقين السياسيين: “إنّه الاقتصاد أيها الأحمق”. بقي الاقتصاد هو الأول بين اهتمامات الناخبين في كل انتخابات رئاسية، بما في ذلك الانتخابات المقبلة بحسب استطلاعات الرأي. السياسة الخارجية التي تهمّنا في المنطقة جاءت رابعة من حيث الأهمّية في الاستطلاعات نفسها. هذه مرتبة متواضعة ولكنها أعلى من مرتبتي انتشار الجريمة أو الهجرة. وبنفس الأهمية التي وصلت اليها في انتخابات 1964في خضمّ حرب فييتنام، أو انتخابات 1980 خلال احتلال الإيرانيين للسفارة الأميركية في طهران.
الأهم في أمر انتخابات هذه السنة هو أن صوت العرب الأميركيين له تأثير لم نعهده في السنين السابقة، لأسباب عدّة: أولاً، أنهم أكثر توحّداً من السابق بسبب ما يحصل في المنطقة. ثانياً، أن العرب الأميركيين متحالفون مع مجموعات مهمّة من الشباب الأميركي التقدّمي المعادي لحرب إسرائيل على غزة ولبنان. وثالثاً أنهم موجودون بكثرة في ولايات مهمّة انتخابية كبنسيلفانيا وميشيغان وفلوريدا. عديد هذه المجموعة قد يتجاوز الخمسة ملايين ناخب، أي ما يكفي لقلب نتيجة الانتخابات من مرشح لِآخر.
رغم كل ذلك، فإنّ هذه المجموعة الوازنة، من عرب أميركيين وحلفائهم، منقسمة حول مَن الأفضل. فبعضهم يريد معاقبة كاميلا هاريس لأنها خيّبت آمالهم بعدما كانت دغدغتهم بكلام معسّل عن معاناة أهل غزة، وبعضهم لا يريد بالمقابل انتخاب دونالد ترامب لأنه أعطى إسرائيل ما رفض أن يعطيها الرؤساء الِآخرون، مثل نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس واعترافه بضمّ الجولان، والبعض الِآخر لا يريد التصويت لمرشح ثالث مثل جيل ستاين المتعاطفة مع العرب لأن صوتهم سيذهب سدى. وقد قرّر البعض مقاطعة الانتخابات.
ولكن حتى لو لم تكن هناك هذه المُعَوِّقات فهل كانت ستتغير سياسة أميركا تجاه العرب والشرق الاوسط؟ هل كانت ستستطيع الإدارة الأميركية، ديمقراطية كانت أم جمهورية، معاداة اللوبي الِإسرائيلي بعد العرض الذي قدّمه أعضاء الكونغرس خلال خطاب نتنياهو الأخير؟ بالنسبة للبنان والمنطقة، الخيار كما هو أمام العرب الأميركيين وحلفائهم، هو بين السيّء والأسوأ.