لم يعد الحديث عن التكليف ذا شأن ومهماً، بعدما بات محسوماً. نائب طرابلس رئيساً مكلفاً اليوم. عزّز هذا الاعتقاد عودة الرئيس نجيب ميقاتي إلى بيروت في الساعات الثماني والأربعين المنصرمة بعد إجازة بحرية. فور رجوعه التقى السبت رئيس البرلمان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، ومن ثم لقاء المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل أمس. في ذلك مؤشرات إلى أن الرجل وافق على ترؤسه الحكومة، وانتقل من قبل أن يُكلّف إلى المرحلة التالية، وهي تأليف الحكومة عبر مشاورات اليومين الأخيرين.
لكن ماذا بعد؟
ثمّة سيناريوان إيجابي وسلبي، مفترضان ومتقاطعان، قيد التداول، ينفصل أحدهما عن الآخر في المحطة الأخيرة. بعد الاستشارات النيابية الملزمة والتكليف الاثنين، مشاورات الرئيس المكلف مع الكتل النيابية الثلاثاء أو الأربعاء، فمشاورات بعيدة من الأضواء قبل الجمعة، انتهاء بتقدّمه بتشكيلة حكومية إلى رئيس الجمهورية قبل نهاية الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل حداً أقصى. ينفصل هذا السيناريو الإيجابي عن ذاك السلبي بأن تحظى المسودة بموافقة الرئيس في ضوء ما يتردّد من أن ميقاتي لن يستنفد الوقت كالحريري لتأليف حكومته، فتبصر النور في أسبوعين في أفضل الأحوال.
أما السيناريو السلبي، فيروي – وإن من باب الافتراض نفسه لذاك الإيجابي – أن لا يوافق الرئيس على ما يُطرح أمامه، فيعتذر الرئيس المكلف للفور. وتعود المشكلة إلى أولها وأكثر تعقيداً. بعض ما يُنسب إلى محيطين بميقاتي أنه، استباقاً لما سيأتي بعد، أقرب إلى الاعتذار أكثر منه إلى التأليف.ميقاتي باشر التأليف قبل التكليف بالاجتماع ببرّي وجنبلاط
بيد أن العقدة الفعلية التي يفترض أن تكون في صلب تفاهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، أو تؤول إلى افتراقهما، فهي نفسها ـ غير المعلنة ـ التي دارت بين الرئيس عون والحريري، وتلطت بأسباب شتى للحؤول دون تأليف الحكومة طوال ثمانية أشهر قبل الوصول إلى الاعتذار. ليست تماماً، وفقط، عدد وزراء الحكومة، ولا توزيع الحقائب، ولا الثلث +1، ولا تقاسم الوزراء المسيحيين، ولا حصة رئيس الجمهورية، ولا حقيبتا الداخلية والعدل، ولا تسمية الأفرقاء الوزراء أو عدم تسميتهم، ولا مواصفات الوزير الاختصاصي. كمنت المشكلة في ما طلبه الرئيس عون من الحريري في أولى محادثاتهما حول التأليف، حيال التزام حكومته التدقيق الجنائي، فردّ الحريري – تبعاً لما رواه الرئيس – بطلب التريّث في معرض رفض الخوض في هذا المطلب وتطبيقه، واضعاً أمامه ذرائع شتى، من بينها أنه لا يريد إغضاب حلفائه، في إشارة إلى رفض هؤلاء التدقيق الجنائي.
في اليومين المنصرمين، تحدّثت معلومات “الأخبار”، عن تواصل بين الرئيس عون وميقاتي، على الأرجح غير مباشر، مفاده بأن رئيس الجمهورية أبلغ إلى الرئيس المكلف المحتمل الآتي: لديه شرط واحد فقط للتعاون، وهو مستعد لأن يلبي كل ما يطلبه منه، وإعطائه ما لم يُعطه للحريري، لقاء التزام واضح غير رمادي بإجراء حكومته التدقيق الجنائي فور تسلمها صلاحياتها.
في ما أراده رئيس الجمهورية، أن التدقيق الجنائي ليس مطلبه هو فحسب، بل يقول به بإصرار المجتمع الدولي، الفرنسيون والأميركيون والأوروبيون والعرب، ناهيك بأن أدرجه صندوق النقد الدولي في أولويات شروطه لمباشرة مفاوضاته مع الدولة اللبنانية، كي يساعدها على انتشال اقتصادها ونقدها الوطني من القعر.
ما أورده شرط الرئيس: لسنا في صدد الانتقام من أحد، بل أن نعرف إلى أين ذهبت أموالنا؟ التدقيق الجنائي جزء من الإصلاحات البنيوية التي ستجريها الحكومة المقبلة لقاء الحصول على مساعدات عربية وغربية.
المصدر: الأخبار