تسأل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خلال عظته اليوم الأحد، “هل وراء الأسباب الواهية لعدم تأليف الحكومة، نيّة عدم إجراء انتخابات نيابيّة في أيّار المقبل، ثمّ رئاسيّة في تشرين الأوّل؟”.
وقال الراعي: “لو تحلّى المسؤولون السياسيّون وأرباب السياسة عندنا بهاتين الفضيلتين، لسكنت المحبّة قلوبهم، ولتجرّدوا من مصالحهم، وتصالحوا مع السياسة والشعب والدولة، ولسلمت العلاقات فيما بينهم، ولما أوصلوا البلاد إلى هذا الإنحدار من البؤس السياسيّ والإقتصاديّ والماليّ والمعيشيّ والإجتماعيّ، ولما فكفكوا مؤسّسات الدولة وأجهزتها ومقدراتها وتقاسموها واستباحوها!”.
وأضاف: “يحاول المسؤولون في هذه الأيّام العصيبة إنقاذَ أنفسِهم ومصالحهم لا إنقاذَ الوطن. ويتصرّفون وكأنّه لا يوجدُ شعبٌ، ولا دولةٌ، ولا نظامٌ، ولا مؤسّساتٌ، ولا اقتصادٌ، ولا صناعةٌ، ولا تجارةٌ، ولا فَقرٌ، ولا جوعٌ، ولا بطالةٌ، ولا هِجرة.يتصارعون في ما بينَهم كأنَّ السياسةَ هي تنظيمُ الاتّفاقِ والخلافِ في ما بينَهم، لا تنظيمُ حياةِ المجتمعِ، وإدارةُ شؤونِ المواطنين، والحفاظُ على المؤسّساتِ الدستوريّة، وتوفيرُ الأمنِ والاستقرارِ والتعليمِ والضماناتِ والعزّةِ والكرامة. لا يعنيهم الشعب اللبناني الذي ما عاد يَحتمِلُ الذُلَّ والقهرَ والعذاب، لا أمام المصارفِ والصَرّافين، ولا أمامَ مَحطّات الوقودِ والأفران، ولا أمامَ الصيدليّات والمستشفيات، ولا أمامَ شركاتِ السفر التي فُرِضَ عليها أن تُسعِّرَ، خِلافًا للقانون، بِطاقات السفرِ بالدولارِ نقدًا. وما عاد هذا الشعبُ يَحتمِلُ السكوتَ على جريمةِ تفجيرِ مرفأِ بيروت وقد مَضَت عشرةُ أشهرٍ على حدوثِها. ومع هذا كلّه، برزت بارقةُ أملٍ صغيرةٍ في اليومين الماضيَين بتجاوبِ المصارف مع قرارِ المصرف المركزي ببدء تسديدِ قليلٍ من أموالِ المودِعين تدريجًا”.
وتابع الراعي: “أمام هذا الواقع نتساءل: هل وراء الأسباب الواهية لعدم تأليف الحكومة، نيّة عدم إجراء انتخابات نيابيّة في أيّار المقبل، ثمّ رئاسيّة في تشرين الأوّل، وربما نيّة إسقاط لبنان بعد مئة سنة من تكوينه دولةً مستقلّةً، ظنًّا منهم أنّهم أحرار في إعادة تأسيسه من جديد، متناسين أنّه أعرق وطن، وأبهى أمّة، وأجمل دولة عرفها الشرق الأوسط والعالم العربيّ؟ لكنّنا، لن نؤخذ بالواقع المضطرب والقوّة العابرة. فنحن شعب لا يموت ولو أُصبنا في الصميم”. ولذا، لن نسمحَ لهذا المخطّطِ أن يكتملَ. لن نسمحَ بسقوطِ أمّتنِا العظيمة. لن نَسمحَ بتغييرِ نظامِ لبنان الديمقراطيّ. لن نسمحَ بتزويرِ هوّيةِ لبنان. لن نَسمحَ بتشويهِ حياةِ اللبنانيّين الحضاريّة. لن نسمحَ بالقضاءِ على الحضارة اللبنانيّة. لن نسمحَ باستمرارِ توريطِ لبنان في صراعاتِ المِنطقة. فعندما لم يتمّ احترام: لا شِعارَ “لا شرقَ ولا غربَ”، ولا التحييدَ، ولا حتّى النأيِ بالنفس، طرَحْنا إعلان نظامَ الحيادِ الناشِط بكلِّ أبعادِه الدستوريّة. وعندما بات الإنقاذُ الداخليُّ مستحيلًا، طالبنا بمؤتمرٍ دُوَليٍّ خاصٍّ بلبنان برعاية منظّمة الأمم المتّحدة”.
وختم: “في حالتنا الإنسانيّة البائسة نتوجّه إلى منظّمة الأمم المتّحدة كي تتدخّل لإنتشال لبنان من الإنهيار والإفلاس. ونُناشدُ منظمّةَ الصِحّةِ العالميّةَ أن تَضعَ يدَها على الواقعِ الصِحّيِ في لبنان وتَستجيبَ لحاجاتِه من دواءٍ وموادٍ طبيّة. وفيما نُقدِّر للدولِ الصديقة، مساعدتها الجيش اللبنانيّ الذي يُشكّلُ صمّامَ الأمانِ للبنان، خصوصًا في الأزمنة العصيبة، نتمنى على هذه الدول الالتفات نحو الشعب اللبناني أيضًا ليبقى صامدًا إلى جانب جيشِه. أمّا في الداخل فلا بدّ من تنظيمِ الشعبِ مناطقيًّا. ومن أنّ جميع المؤسّساتِ العامّةِ والخاصّة تَنتظم في ورشةِ عمل لإنقاذِ المجتمع”.