نشرت صحيفة “الفايننشال تايمز” مقالاً افتتاحياً تحت عنوان “تحول استبدادي لأردوغان”. ويصف المقال قرار منع رئيس بلدية إسطنبول من خوض الانتخابات الرئاسية بأنه صفعة قوية للديمقراطية في تركيا.
وتقول الصحيفة إن الديمقراطية الهشة وغير الكاملة في تركيا تواجه خطرا، مشيرة إلى أنه عندما انتُخب السياسي المعارض، أكرم إمام أوغلو، رئيسا لبلدية إسطنبول في آذار 2019، ضغط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي بدأ مسيرته السياسية في نفس المدينة، على السلطات لإصدار قرارات جديدة بشأن الانتخابات.
ويضيف المقال أن إمام أوغلو، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، فاز مرة أخرى بأغلبية ساحقة، ووصف مسؤولي الانتخابات الذين ألغوا فوزه الأول بأنهم “حمقى”، بعد أن صوتوا لإلغاء فوزه بأغلبية بسيطة في انتخابات آذار 2019، بيد أن هذه “الإساءات” التي وصف بها المسؤولين أدت إلى الحُكم عليه بالسجن لما يزيد على عامين ومنعه من ممارسة السياسة.
ومن المرجح عدم تنفيذ عقوبة السجن، لكن إذا أيدت المحكمة الحكم ورُفضت دعوى استئناف رفعها، فسوف يُمنع من الترشح للانتخابات الرئاسية العام المقبل.
وتقول الصحيفة إن تداعيات كتلك قد تؤثر بشدة على 86 مليون شخص في تركيا وعلى المنطقة وحلف الناتو الذي لا تزال البلاد عضوة فيه. وتضيف أن تركيا انتهجت ديمقراطية معيبة، نظرا لأن 20 عاما من حكم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية دفعت البلاد إلى مسار استبدادي، كما أصبحت المؤسسات الرئيسية، بما في ذلك مؤسسة القضاء، تحت سيطرته وسيطرة حلفاء له، لذا يمثل منع معارض من خوض انتخابات وطنية خطوة نحو نظام استبدادي علني.
وتعد الانتخابات الرئاسية التي تجرى العام المقبل محورية، وترى أحزاب معارضة أنها فرصة أخيرة لإزاحة أردوغان من خلال صناديق الاقتراع قبل أن يصبح من الصعب إزاحته، لذا استطاعت المعارضة المنقسمة التجمع تحت مظلة تحالف يهدف إلى تنحية أردوغان.
وتقول الصحيفة إنه من المفارقات أن تحالف المعارضة لم يدعم حتى الآن إمام أوغلو، كمرشح محتمل للرئاسة، على الرغم من كونه أكثر شخصيات المعارضة شعبية، كما يبدو أن تهميشه يمثل بوليصة تأمين لإزاحة أي خطر أمام الرئيس، لذا يتعين على المعارضة، من أجل الاحتفاظ بفرصة هزيمة أردوغان، أن تبتعد عن دعم كمال قلجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، البالغ من العمر 73 عاما، الذي أخفق عدة مرات من قبل في تحقيق طفرة سياسية في الانتخابات الوطنية.
وقد يثبت الحكم على إمام أوغلو أنه قرار اتسم بسوء تقدير، الأمر الذي قد يحفز المعارضة وناخبيها، لاسيما وأن رئيس بلدية اسطنبول نظم مسيرة حاشدة لآلاف المؤيدين في المدينة لليوم الثاني على التوالي يوم الخميس، متعهدا بمحاسبة حزب العدالة والتنمية، وعلى الرغم من كون أساليب أردوغان تشبه إلى حد كبير أساليب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن قبضته على السلطة أقل تكاملا، إذ يحكم من خلال ائتلاف غير مستقر إلى حد ما.
وتقول “الفايننشال تايمز” إن حاجة أردوغان إلى العملة الصعبة والدعم الاقتصادي الغربي يمنح الشركاء الأمريكيين والأوروبيين بعض النفوذ، على الرغم من تنمية الرئيس التركي صداقة عميقة مع الزعيم الروسي، لذا يتعين على الشركاء توضيح أن عضوية تركيا في حلف الناتو، والعلاقة الاقتصادية التي تريدها مع الاتحاد الأوروبي، تتطلب الالتزام بمعايير أساسية للديمقراطية.
ويختتم المقال بالإشارة إلى أن جذور الديمقراطية التركية أعمق من تلك الموجودة في روسيا تحت قيادة بوتين، لذا لا ينبغي السماح بذبولها.