لا تتوقّف “القوات اللبنانية” عن ممارسة الانتهازية السياسية. هي نفسها التي سارعت بعد اندلاع انتفاضة “17 تشرين” إلى الاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري وركوب موجة الانتفاضة واستغلالها خدمة لأجندتها، عادت وتسلّلت أمس إلى المجموعات المشاركة في الذكرى السنوية الأولى لتفجير مرفأ بيروت. لم تغيّر القوات من عاداتها. يطغى طابِع الميليشيا والتشبيح على كل محاولات “التمدّن”. حاولت مراراً أن تكتسي ثوبَ المعارِض في تقديم نفسها خارج الطبقة السياسية، وجهِد رئيسها سمير جعجع لإظهار نفسه بعيداً عن موبقاتها.
مِن تلّته في معراب، أراد أن يُحرّك بيادق “القوات” في شوارع بيروت، كما لو أنه في عداد المُسعفين، المتضرّرين، الجرحى، ووكيل عن ضحايا سقطوا في ذلك اليوم المشؤوم. هو الذي خبِر كيفية المتاجرة بالدم، ويعرِف كيفَ يقطف ثمار الانهيار والتدهور لصرفها في حسابات انتخابية. إن مِن خلال تصويب سياسي يستهدف “العهد” وحزب الله أو من خلال افتعال إشكالات يستعيد من خلالها مشهد القوات بالبزّة الزيتية، من أجل شدّ العصب المسيحي وإعادة إعلاء منطق الميليشيات.
ما فعلته القوات أمس وسابقاً، كانَ لزوم الحسابات الداخلية الضيقة. لكنه في الوقت ذاته، يحمل وظيفة أخرى مرتبطة بسياقات إقليمية ودولية. يُريد سمير جعجع دوماً تقديم أوراق اعتماده إلى رعاتِه الخارجيين، ولا سيما المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية. وللنجاح في هذه المهمة والتقدّم على الآخرين، ليس له سوى إلباس حزب الله وإيران من خلفه جريمة المرفأ، من خلال خطف أي تحرك وتوظيفه في حرب المواجهة التي يقودها.
وكانَ واضحاً أمس، اختراق محسوبين على القوات للمجموعات التي أتت من مناطق مختلفة وتجمعت بشكل مركزي قرب المرفأ. وقد تصدر مشهد الاعتداء على المشاركين في الذكرى، حيث تهجّم عدد من القواتيين على ناشطين بالقرب من تمثال المغترب بعدما طلب عدد من أهالي الضحايا رفع العلم اللبناني فقط. كما افتعلَ هؤلاء عدداً من الإشكالات في شوارع الجميزة ومار مخايل، وحاولوا قطع الطريق على ناشطين وبعض المجموعات، فيما حصل اشتباك بينهم وبينَ الحزب الشيوعي بالقرب من مخفر الجميزة، تدخلت على إثره القوى الأمنية وأطلقت النار في الهواء، وقد نجم عن هذا الحادث ما يزيد على عشرة جرحى.
المصدر: الأخبار