«انها ليست انتخابات الكونغرس الأميركي حتى تُخاض الانتخابات البلدية والاختيارية بهذه الحماوة». بهذه العبارة لخّص نائب بيروتي الأجواء المحمومة المحيطة بالانتخابات البلدية والاختيارية في معظم المناطق عموماً وفي بيروت بشكل خاص. مشيراً الى ان وضع بيروت في هذا الجو الطائفي والمذهبي المُثار حول المناصفة وصلاحيات المجلس البلدي والمحافظ يتطلب أقدر قدر من الهدوء والحكمة والعقلانية والتوافق لتخطّي المرحلة الانتخابية بما يؤدي الى نتائج انتخابية تفيد العاصمة وأهلها.
كذلك يقول نائب بيروتي آخر: ان العمل البلدي عمل تنموي واجتماعي يجب أن لا تُفسده السياسة وخلافات السياسيين والشعارات الشعبوية الطائفية والمذهبية، لا سيما في المناطق المختلطة. مشيراً الى ان موضوع تعزيز صلاحيات المجلس البلدي أمر مطلوب لكن ليس بهذه الطريقة التي يُثار بها ويخلق عصبيات وغرائز بين أهل المدينة الواحدة، بل بإتباع طريقة ترضي كل الأطراف وبما يحفظ فعالية البلدية وحسن تنفيذ قراراتها وإجراءاتها وهي تنموية بإمتياز لا سياسية لمصلحة طرف سياسي دون آخر.
والأمر ذاته ينطبق على انتخاب المختارين والهيئات الاختيارية، بحيث تدور معارك مخترة في هذه المنطقة أو تلك، وفي هذا الحي والزاروب أو ذاك وكأنها معركة حياة أو موت، سواء بالنسبة للأشخاص المستقلين أو للأحزاب السياسية.
وفي حالتي البلديات والمخترة، يتحمّل المرشحون والعائلات مسؤولية السماح بتدخّل السياسيين في العملية الانتخابية بهذا الشكل الصارخ والعلني. ولو وضعوا لهم حدّاً منذ سنوات لما استطيبوا التدخّل بكل كبيرة وصغيرة، ولما فرضوا هذا المرشح أو استبعدوا ذاك، من دون الأخذ بمعيار الكفاءة وبرنامج العمل والنيّة الصادقة في الانتاجية وتمثيل العائلات تمثيلاً حقيقياً لا حزبياً.
بين ما يريده السياسيون وبين ما يريده المواطنون من البلديات فارق كبير وواسع. المواطن في أكبر مدينة أو في أصغر قرية يريد بلدية تقدّم له كل الإجراءات التنموية والخدماتية اللازمة ليعيش في منطقته بظل أجواء مريحة الى أكبر حدّ ممكن، وبما يزيد من إنتاجية المنطقة على كل المستويات. أما معظم السياسيين فيريدون البلدية محطة توقف في «معركة» إثبات الوجود السياسي والشعبي ولو على حساب تنمية المنطقة وبث الفرقة بين أهلها.
وبما ان الانتخابات البلدية والاختيارية ستسبق الانتخابات النيابية، ما لم يتم تأجيلها لسبب ما، فإنّ القوى السياسية تخوض هذه الانتخابات لإثبات حضورها السياسي والشعبي في مناطق ودوائر مقفلة صغيرة لتجميعها لاحقاً في الدائرة الأوسع بالانتخابات النيابية، وعلى هذا يبني السياسيون حساباتهم. فالمهم الفوز بأي طريقة ولو على حساب مصلحة الناس.
وإذا كانت الانتخابات النيابية مهمة لإدارة البلاد كون المجلس النيابي مصدر السلطات والتشريع، وشريكاً في السلطة بحكم علاقته التوأم بالسلطة التنفيذية، وبرغم فصل السلطات، ويجوز في هذه الانتخابات النيابية تدخّل السياسي في خيارات الناخب لإقناعه لا إرغامه، فإن الانتخابات البلدية والاختيارية هي فسحة واسعة للناس والعائلات للتعبير عن خياراتها في كيفية إدارة مناطقها والعمل على تنميتها وتحسين الخدمات العامة فيها الصحية والبيئية والعمرانية وسواها، ولو انها في كثير من الأحيان تكون مصدر خلافات بين العائلات وأحياناً بين العائلة الواحدة، نظراً للعقلية العصبية التي تسيطر على الانتخابات لا عقلية المنافسة الشريفة والهادئة على تقديم الأفضل.
على هذا، يَفترض الجو المحموم الذي تُخاض فيه الانتخابات البلدية والاختيارية، أولاً ابتعاد السياسيين عنها وترك الحرية للناخبين والعائلات لتقرير ما يرونه مناسباً لمنطقتهم، والأهم، يفترض إعادة النظر في النظام الانتخابي البلدي والنيابي القائم على المحاصصة الطائفية والسياسية، ووضع نظام انتخابي عصري يؤمّن مصلحة البلاد والعباد لا مصلحة هذا الطرف السياسي أو ذاك، نظام يكون مقروناً بعملية توعية متدرجة للناخب تبعده عن العصبية والغرائز الطائفية والشخصية، وتوجهه نحو اختيار الشخص والبرنامج الأكفأ والأفضل الذي يراعي مصلحته قبل أي مصلحة أخرى.
وكل هذا يفترض بالأساس إعادة لنظر بالنظام السياسي القائم وتطبيق إتفاق الطائف، الذي مهّد عمليا في كثير من بنوده لقيام الدولة المدنية على أنقاض دولة الطوائف والمحاصصات والاستزلام والمحسوبيات.