تحتل باريس، من بين كل العواصم الأجنبية التي تتابع عن قرب اليوم الانتخابي الكبير في لبنان، المرتبة الأولى، نظراً للجهود التي بذلها الرئيس إيمانويل ماكرون ومعه الخلية الدبلوماسية في قصر الإليزيه ووزارة الخارجية والسفير بيار دوكين، الذي كلف بمتابعة الملف المالي والاقتصادي وتنسيق المساعدات إلى الشعب اللبناني. كذلك تتعين الإشارة إلى الجهود التي بذلتها فرنسا لدى شريكاتها في الاتحاد الأوروبي والمنطقة الخليجية لتعزيز الاهتمام بلبنان ومساعدته سياسياً واقتصادياً ومالياً.
وفيما يتوجه الناخبون اليوم في لبنان إلى صناديق الاقتراع، حرصت باريس على توجيه رسالة واضحة إلى اللبنانيين عبرت فيها عن ضرورة أن يتميز هذا الاستحقاق الديمقراطي بـ”الشفافية، وأن يحصل في ظروف تضمن الأمن والحرية للجميع”. وقال مصدر دبلوماسي رفيع في لقاء مع مجموعة ضيقة من الصحافيين، مساء الجمعة، بحسب “الشرق الأوسط” إن الهم الأول يتناول بالطبع كيفية حصول الانتخابات. لكن المهم أيضاً، عقب ذلك، أن يتم العمل على تشكيل حكومة جديدة “ضمن مهلة معقولة”، مؤكداً أن الحكومة الفرنسية ستعمل على توجيه “رسائل واضحة” بهذا المعنى إلى الأطراف ذات العلاقة.
ودرج دبلوماسي فرنسي معروف على ترداد أن لبنان أمام خيارين: إما صندوق النقد الدولي أو برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة. ومعنى هذا وفق المصدر الدبلوماسي المشار إليه أن مصلحة لبنان تكمن في تفضيل الخيار الأول رغم صعوبة المسار، ولأنه يتطلب أن يعمد لبنان إلى السير على درب الإصلاحات الضرورية التي يتعين أن تتناول بالدرجة الأولى القطاع المصرفي والمالية العامة.
ويشير المصدر المعني بالملف اللبناني إلى أن مشاريع قوانين موجودة أمام البرلمان الذي انتهت ولايته والتي لم تقر والتي يتعين على المجلس الجديد أن يقرها في أسرع وقت. ووفق القراءة الفرنسية، فإنه كلما تأخرت هذه القوانين، تأخر التوقيع على الاتفاق النهائي بين صندوق النقد والحكومة اللبنانية، وتأخرت المساعدات والقروض التي يمكن أن يحصل عليها لبنان وليس فقط من الصندوق نفسه الذي وعد بمنحه ثلاثة مليارات على خمس سنوات. ورهان باريس على أن التوقيع النهائي سوف يفتح الباب أمام تنفيذ عدد من الوعود والالتزامات التي حصل عليها لبنان في عام 2018 في إطار ما سمي “مؤتمر سيدر” التي قدرت بما يزيد على 11 مليار دولار. وسيكون التوقيع مع صندوق النقد بمثابة “شهادة حسن سلوك” بالسلطة اللبنانية التي فقدت كثيراً من مصداقيتها على الصعيد العالمي بعد أن عجز لبنان عن الإيفاء بديونه، ما حوله إلى دولة فاشلة.
وتعي باريس تعقيدات المشهد السياسي اللبناني وتعرف أن نتائج الانتخابات التشريعية سترخي بظلالها على الانتخابات الرئاسية التي تطالب بإجرائها في مواعيدها. وتنظر باريس بعين الرضا إلى عودة التواصل بين لبنان والدول الخليجية، وتذكر أن دبلوماسيتها بذلت كثيراً من أجل تحقيق هذا الهدف. وفي الرؤية الفرنسية أن التطور الإيجابي يعيد نوعاً من «التوازن» إلى الداخل اللبناني، وإلى علاقاته الخارجية.