نقولا ناصيف – أساس ميديا
لا حوار بدأ حتّى الآن بين رئيس الجمهورية جوزف عون و”الحزب”، بل تواصل عبر ممثّلَيْن اثنين عنهما هما العميد المتقاعد أندره رحّال ووفيق صفا. تقتصر اجتماعاتهما على تبادل أفكار واقتراحات ليس إلّا، تحضيراً لأرضيّة حوار ثنائي تحدّث عنه عون مراراً، والمرجّح أنّه مع النائب محمد رعد. لا مواعيد محدّدة لانطلاقه، بيد أنّ السجالات الحاليّة الدائرة من حوله لا تساعد على الدنوّ منه بمقدار ما تتسبّب بمزيد من التأجيل.
تختلف نبرة رئيس البرلمان نبيه برّي وعباراته عن تلك التي يستخدمها “الحزب” في الحديث عن الحوار المتوقّع بين رئيس الجمهورية جوزف عون و”الحزب”. دونما تقاسم أدوار بين طرفَيْ الثنائي الشيعي، يقارب كلّ منهما مصير السلاح من وجهة نظر مختلفة. بينما يتكلّم “الحزب” بنبرة المُهوِّل والمخوِّن والمتيقّن من مقدرته على التخويف بالإصرار على التمسّك به وتهديد مَن يمسّه، يقترب منه برّي من باب موقف الدولة المتقاطع مع رئيس الجمهورية.
عندما يُسأل رئيس المجلس عن موقفه من الحوار الذي يقول به عون، يبدي تأييده له ويعبّر عن ارتياحه إلى تمسّك الرئيس بمواصفاته وشروطه، وتأنّيه المدروس في الكلام عنه وإيضاح مؤدّاه، إلّا أنّه يضيف لـ”أساس”: “لكنّ من المهمّ أيضاً الضغط على العدوّ لكي ينفّذ ما عليه من التزامات اتّفاق وقف النار. نحن نفّذنا المطلوب منّا ولا أحد يتشكّك في ذلك. أمّا هو فلا. هذه مسؤولية الأميركيين حتماً، وذلك يعني أيضاً أن لا نسلّم كلّ أوراقنا ونضعها على الطاولة. المطلوب منّا اثنان أنجزهما لبنان، وهما نشر الجيش في الجنوب وانسحاب “الحزب” منه، وهو مذّاك لم يطلق رصاصة. كلاهما تمّا. أمّا المطلوب من إسرائيل فليس كذلك. عليها وقف نهائي للنار والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، وكلاهما لم يحصلا، بل تضاعف إسرائيل من اعتداءاتها وغاراتها. لتوقف النار على الأقلّ”.
إعلان برفض الحوار؟
ليست العبارة الأخيرة لبرّي، ولعون الذي يصرّ عليها ويتناولها في كلّ تحرّك أو نشاط أينما كان، وهي آليّة الحوار، سوى المعضلة الفعليّة التي يبدو أن لا تقاطع عليها إلّا إعلامياً. الصحّ أنّه الحوار المستعصي الذي بات الآن بين وجهتَيْ نظر متعارضتين: أولى يتحدّث عنها رئيس الجمهورية بتأكيد حصريّة السلاح في يد الدولة وحدها، وهو ما يعني أن لا سلاح غير شرعي خارجها، وهي صاحبة الأمر في قرارَيْ الحرب والسلم، وثانية يقول بها “الحزب”، أقرب ما تكون إلى إعلانٍ برفض الحوار، عندما يشيع في أوساطه مواصفاته هو لمصير سلاحه: لن يسلّمه إلى الدولة اللبنانية، لكنّه مستعدّ لمناقشتها في سبل جعله يكون في خدمتها والاستفادة منه في الصراع مع إسرائيل والدفاع عن لبنان.
فحوى موقفه في نقاط أربع تدور من حولها المعضلة:
1 ـ يوافق رئيس الجمهورية على ربطه الحوار في شأن سلاحه باستراتيجية الأمن الوطني، وهو ما حمل الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم على إعلان موافقته على الصيغة هذه لتكون عنواناً رئيسيّاً لما يُفترض أن يستظلّ المرحلة المقبلة. لا تعريف موحّداً واضحاً لاستراتجية الأمن الوطني عند طرفَيْها المعنيَّين، ولا تصوّراً مسبقاً لآليّتها بازاء ثلاث علامات استفهام تدور في أروقة قصر بعبدا: كيف؟ وأين؟ ومتى؟ أمّا ما تعنيه لـ”الحزب” على الأقلّ فهو أنّه شريك الدولة اللبنانية والجيش في الدفاع عن لبنان. لكلّ سلاحه، أحدهما إلى جانب الآخر، لكنّ المرجعيّة ملتبسة وأقرب إلى أن تكون وهمية.
ناطور بلا مفاتيح
2 ـ يبقى “الحزب” محتفظاً بسلاحه حيث هو، في مخازنه والمغاور والكهوف وبطون الجبال والأودية، المجمّع فيها، دونما أن يسلّمه إلى الجيش تبعاً لواقع غير مسبوق وغير منطقي وعصيّ على الفهم: يظلّ سلاحه عنده يحتفظ به إلّا أنّه في إمرة الدولة اللبنانية التي تمسي إذّاك ناطوراً للسلاح ليس إلّا، دونما أن تُعطى المفاتيح. في ذلك تقويض كامل لمغزى حصريّة السلاح في يد الدولة الواردة في خطاب القسم والبيان الوزاري والتعهّدات الرسمية التي قطعها لبنان للغرب، علاوة على تناقضه مع القرار 1701 واتّفاق وقف النار.
3 ـ يتعامل “الحزب” مع الحوار من ضمن توقيت لا يتطابق مع توقيتَيْ عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام. بينما يقول إنّه ليس في صدد مناقشة أيّ فكرة لتسليمه، وهو ما يعني أن لا وجود لعامل الوقت في حسبانه، الآن وفيما بعد، وأنّه يقصر موقفه على الإبقاء عليه ليكون أداة ضغط على إسرائيل، يبدو الرئيس غير المستعجل على التوقيت عالقاً بين كمّاشة طرفها الأوّل استعجال سلام تسليم السلاح في أسرع وقت ممكن قبل الوصول إلى الانتخابات النيابية في أيّار 2026، لئلّا يكون عاملاً مساعداً لـ”الحزب” في استغلاله والتأثير في نتائجها، وطرفها الثاني الضغوط الأميركية المكمّلة للهجمات العسكرية الإسرائيلية، بغية وضع روزنامة مستعجلة لجمع السلاح منه نهائيّاً.
4 ـ هي الطامة الكبرى على سهولة دلالتها يقول بها “الحزب” عندما يتحدّث عن الضمان الذي يمكّنه من قبول خوض حوار في شأن سلاحه وليس حتماً تسليمه، ويطلبه من الدولة اللبنانية. على الرغم من تجنّب عون في أيّ من مواقفه ما يلمح إلى “تجريد” أو “نزع” أو “تسليم” السلاح، لا يعثر “الحزب” على الضمان الذي يتطلّبه إلّا في ذاته باحتفاظه بسلاحه. هي المعادلة التي يردّ بها على تأكيد الرئيس في بكركي كما قبلاً أنّ حصر السلاح بالدولة اللبنانية قرار متّخذ وسينفّذ.