محافظ النبطية البروفسورة هويدا الترك، التي تعمل كخليّة نحل، أقلّه لـ 18 ساعة يومياً، نزحت بدورها مع أختام وسجلّات، من سرايا النبطية بعد تعطّل العمل فيها بفِعل العدوان الإسرائيلي، الى سراي صيدا، مُستحدِثة مقرّاً موقّتاً فيها لا يتجاوز 12 متراً، فيما استقرّ موظفوها في باحة قلم المحافظة، لتستمرّ في دعم صمود المقيمين، وتسيير شؤون النازحين بالقدر المتاح، وتمكينهم من مواجهة أعباء النزوح.
وأوضحت الترك لـ”المدى” أنّه لا يمكن حصر نسبة الخسائر في النبطية، “فالأضرار جسيمة جداً، وأعمال التدمير دحضّت إدّعاءات العدوّ بأنّ المدينة عسكرية لتنفيذ وحشيته التي طاولت الأبنية السكنية والتاريخية وسوق المدينة التراثي والجديد والمباني الحكومية والمصرفية ومئات المؤسسات والمحال التجارية وعشرات المكاتب الهندسية ومكاتب المحامين وكتّاب العدل والعيادات ومراكز التجميل، ومعارض سيارات… لعلّ تسوية هذه المباني والمؤسسات بالأرض ينمّ عن حقد إسرائيلي دفين، ويهدف إلى زرع اليأس في نفوس الأهالي، لكن إرادتهم بالعودة ستتغلّب على آلة التدمير الاسرائيلية، حتّى لو باتوا عند عودتهم تحت “خيمة” على ركام أبنيتهم التي سيتمّ بناؤها بإذن الله”.
وأوضحت الترك أنّ عدد الأُسر الصامدة في المحافظة، وفق آخر تحديث صدر أمس السبت، بلغ 12667 أسرة، فيما بلغ العدد الإجمالي للعائلات النازحة إلى المحافظة 864 عائلة، توزّع منهم 190 عائلة في مراكز الإيواء في أقضية النبطية ومرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل، واستقرّ الآخرون في منازل استأجروها، أو أقاموا لدى أقارب لهم أو معارف.
وأكّدت المحافظ أنّها تبذل كل جهودها لتلبية الاحتياجات، مشيرة إلى وصول مساعدات دولية وعربية ومن الصليب الاحمر الدولي، بعضها يكفي لأسبوعين بالنسبة إلى أسرة مؤلّفة من خمسة أفراد. كذلك وصلت مساعدات حكومية ومن منظّمات غير حكومية ومن مجلس الجنوب، وهي تحاكي قدر المستطاع بمعظمها متطلّبات النزوح.
وذكرت “أنّ المساعدات الإغاثية الى محافظة النبطية يتمّ استلامها استثنائياً في صيدا بعد تدمير مبنى البلدية واستشهاد الرئيس وعدد من الأعضاء، واستهداف مقرّ السراي الحكومي، ليتمّ نقلها وإيصالها إلى مستحقّيها ضمن المحافظة عبر السلطات المحلية من بلديات أو اتّحادات بلديات.
وبعد الإعلان عن سلفة لتأمين مازوت للتدفئة عبر وزارة الطاقة والمياه، أجرت المحافظة عملية تحديث معلومات لمراكز الإيواء في المحافظة تمهيداً لتسليم داتا دقيقة عنها، لتأمين المازوت لتلك المراكز الأسبوع المقبل، وتوفير الكهرباء والتدفئة فيها، علماً أنّ جميع مراكز الإيواء في المحافظة يرتفع موقعها عن 300 متر، ولكنّ الأُسر في المساكن لم تتمّ تغطيتها بمادة المازوت حتى الآن.
مشاكل عدّة تعترض عمل محافظة النبطية، وِفق المحافظ، “وفي مقدّمها ندرة المساعدات عبر خلية إدارة الأزمة الحكومية، والتي نعلم أنّ حجم المساعدات التي ترِدها من الدول الصديقة للبنان لا يغطّي حجم النزوح الكبير الذي حصل دفعة واحدة ويستمرّ بالارتفاع يوماً بعد يوم، فتسليم ما بين 1000 أو 1500 حصّة غذائية كل أسبوعين إلى قضاء بحجم قضاء النبطية هو نسبة ضئيلة جداً، علماً أنّ كلّ حصّة لا تكفي لأكثر من أسبوع”.
المشكلة الثانية تتمثّل في عملية إيصال هذه المساعدات، “فالصليب الأحمر اللبناني يساعد المحافظة في إيصال الخبز ثلاث مرّات في الأسبوع على سبيل المثال إلى أقضية النبطية ومرجعيون وحاصبيا، الذي يؤمّنه برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، فيما يتعذّر إيصاله الى قضاء بنت جبيل”.
أمّا المشكلة الثالثة فتتمثّل في تأمين ملابس فصل الشتاء ومستلزماته للنازحين “فبعدما نزح الأهالي عن منازلهم سريعاً بملابسهم الصيفية وتحت القصف الإسرائيلي، من دون أن يتمكّنوا من نقل أي شيء معهم، فقد باتت الحاجة ملحّة لمثل هذه الملابس لتقيهم برد الشتاء، وللأحذية، ولتجديد الفرش بعد استهلاكها لمدّة سنة من قبل نازحي محافظة النبطية، ولأغطية صوفية، ولوسائل تدفئة”.
وعليه، تؤكّد الترك “أنّ هموم الناس كبيرة جدّاً، فهم يحتاجون لشتّى أنواع الدعم لكي يتمكّنوا من تمرير هذه المرحلة في مراكز الإيواء وخارجها، وهو أمر خارج قدرات الدولة، في ظلّ الضائقة الاقتصادية والمالية التي لا تزال ترزح تحتها البلاد، ولذلك نرحّب بتقديم أي يد مساعدة لهم”.
وفي هذا السياق، اكدت الترك على أهمية الدعم الذي تقوم به منظمة UNDP على صعيد الدعم اللوجستي لإدارة المحافظة وتوفير الحد المقبول لاستمرارية العمل نظراً لتضرر تجهيزات المحافظة بشكل شبه كلّي، علاوة على دعم المنظمات غير الحكومية كاليونيسف و UNHCR UNFPA و OCHA والجمعيات الشريكة معها.
تربوياً، أوضحت الترك “أنّ الطلاب النازحين والصامدين يتابعون دروسهم، سواء في المدارس الخاصة أو الرسمية في كافة الاقضية، وكذلك في مراكز الإيواء، وأحياناً يتمّ استعمال الهاتف من أكثر من شخص من أفراد العائلة نظرًا لضعف الإمكانات في هذه الظروف الصعبة”.
أمّا الأمن فمستتبّ، في مراكز الإيواء، بِفعل جهود الأجهزة الأمنية والعسكرية، وقد نوّهت بـ”جهود الجيش اللبناني ولا سيما مخابرات الجيش الحاضرين بشكل دائم ويواكبون مهمات رفع الانقاض وفتح الطرق والإخلاءات أحياناً، وكذلك مديرية أمن الدولة التي قامت بالأمس القريب بتوقيف عصابة سرقة منازل في بلدات نزح سكّانها، وتمّ ضبط كميّة كبيرة من المسروقات، علاوة على جهود باقي الأجهزة الأمنية لا سيّما قوى الأمن الداخلي، بالحدّ الذي يستطيعون فيه التحرّك في أقضية حاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل، وسواها من الأجهزة التي تتابع كلّ في ما خصّها. فالوضع مضبوط ولا مشاكل أمنية تُذكر على المستوى المحلي، والناس تتعايش مع بعضها البعض في مراكز الإيواء”. وهنا تمنّت الترك “أن يبقى جو الإلفة والتآلف سائداً في صفوف المقيمين والنازحين، ليس في محافظة النبطية فحسب، بل في كلّ لبنان، فبالوحدة التي تجلّت بعد 23 أيلول ٢٠٢٤ عبر الإحتضان الرسمي والشعبي الذي يعكس الحسّ الإنساني والشعور بالآخر، يمكننا التغلّب على المطامع الإسرائيلية”.