خاص المدى – جنان جوان أبي راشد
بعد اللهيب في الشارع وتصدُّر هاشتاغ “دولار” موقع “تويتر” في لبنان، تسارعت التحليلات حول سبب ارتفاع العملة الخضراء حوالى 1500 ليرة في غضون أيام قليلة.
الخبير المالي والاقتصادي دان قزي يشير الى أن السبب الأساسي لارتفاع سعر الدولار على المدى الطويل ، هو العجزُ في ميزان المدفوعات وطَبعُ كميات هائلة من الليرة لصرف معاشات وأجور القطاع العام.
ويوضح قزي في حديث لـ”المدى” أن ما جرى الثلثاء لم يحصل للمرة الاولى، إذ إن الدولار ارتفع في وقت سابق في خلال الأشهر الماضية ودفعةً واحدة ما بين 1500 و 2000 ليرة.
وعن الصدمة الشعبية والبلبلة التي حصلت، يعتبر قزي أنها تعود الى العامل النفسي لدى الانسان عند وصول الدولار الى عتبة رقم الـ 10 آلاف ليرة، أي لدى تدوير العدد.
أسباب ارتفاع الدولار الى 10 آلاف ليرة
أما عن العوامل التي أدّت الى ارتفاع العملة الخضراء في اليومين الماضيين فهي ثلاثة كما يقول قزي: أولاً، عدم تجاوب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع طلب المصارف تأجيل مهلة تطبيق التعميم 154 الذي يلزمُها بوضع 3 بالمئة من ودائعها بالعملات الاجنبية لدى المصارف المراسِلة، ما دفع بالبنوك الى محاولة امتصاص الدولارات من السوق باستخدام طريقتين: إحداهما شراء الدولار النقدي من السوق، والأخرى شراء شيكات مقابل ال”لولار”، فوصلت قيمة الدولار الواحد في الشيكات المصرفية الى 3.5 لولار، وهي خطوة لم تكن تعتمدها المصارف مباشرة مع زبائنها في وقت سابق واستُخدمت في الساعات الماضية بشكل واسع، بينما كانت المسألة معتمدة بشكل محدود منذ فترة بين المواطنين والصرافين.
ثانياً، العامل النفسي الموجود لدى اللبنانيين والمتمثّل باعتقادهم بإمكان حلّ المشاكل في حال تمّ تشكيل حكومة جديدة، فكان التأخير عاملاً سلبياً.
ثالثاً، عامل الصدفة المتمثّل بتوقيف عدد من الصيارفة في الدورة والحمراء والضاحية الجنوبية منذ أيام، والذين كانوا يزوّدون عادة السوق بكميات من الدولارات، ما تسبّب بنُدرة في المعروض.
هل بالإمكان وقف الانهيار؟
وعن كيفية وقف التدهور النقدي والإجراءات التي يمكن أن تلجأ اليها الحكومة المستقيلة أو مصرف لبنان في حال تعذّر تشكيل حكومة جديدة، يرى قزي أن الأمر ممكن من الناحية النظرية، إذ إن ضخّ المركزي دولارات في الاسواق سيؤدي الى وقف التدهور، إلا أن الاحتياطي بالعملات الأجنبيية الذي انخفض الى 16 ملياراً فهو يُستنزَف باستمرار وسينفد بعد حوالى 14 شهراً مع صرف حوالى مليار دولار منه شهرياً لدعم الاستيراد، معتبراً أن بامكان مصرف لبنان اعادة الودائع بالدولار ل85 في المئة من المودعين في المصارف بهدف تحريك الاقتصاد، الا أن ذلك يجب استباقُه بتحديد مصير ودائع ال15% الباقين من خلال أمرين، معتبراً أن الاجراء الاول يجب أن يكون باللجوء الى عملية الـ bail in، أي تحويل ودائع كبار المودعين الى أسهم في المصارف، والثاني استعادة قيمة الفوائد من المودعين الذين استفادوا مما سمّاه “أرباح الربى الفاحش”، مذكّراً بأن بعض المودعين في لبنان تقاضى فائدة وصلت في بعض الأحيان الى 18 في المئة على الدولار، في حين لا تتعدّى نسبة هذه الفائدة الـ1 في المئة عالمياً، معتبراً أن هؤلاء حققوا أرباحاً غير منطقية واستفادوا على حساب باقي المودعين.
ويشدد قزي على أهمية الضغط الشعبي لاسترجاع الأموال المهرّبة استنسابياً الى الخارج خلال فترة ثلاثة اسابيع تقريباً من اقفال المصارف أبوابها في نهاية العام 2019 ومن خلال القانون الذي أقره المجلس النيابي، لافتاً الى أن المبالغ المهرّبة تصل الى حوالى 3.5 مليار دولار، بما يفوق قيمة القرض الذي قد يحصل عليه لبنان من صندوق النقد الدولي.
ارتفع الدولار دفعةً واحدة أو على دفعات، وتوزّعت التحليلاتُ والاتهاماتُ يميناً وشمالاً، فيما النتيجةُ واحدة وهي ارتفاعٌ في الأسعار والفقر، وسط غياب الدواء الناجع، أو حتى المسكّنات، وبالتالي فإنه ولو تعدّدتِ الأسباب فإن الانهيارَ واحد.