الجوّ العام مشحون باحتمالات لا حدود لها، يصعب معها تقدير أيّ صورة سيرسو عليها مشهد المنطقة، والاتجاه الذي ستسلكه بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل. وما يسمّك من كثافة الغمامة الحاجبة للرؤية، سيل التكهنات والقراءات المتناقضة لهذا الحدث، التي تتضارب بين من قال بأنّ ما جرى قد نقل المنطقة من الغليان على حافة الهاوية، الى الفوران في قعرها، وقائل بأنّ الهجوم الإيراني على إسرائيل قد يسرّع في ربط خيوط تسوية تبرّد أو توقف الحرب الدائرة منذ تشرين الأول الماضي.
وبمعزل عن الترويج الايراني لنجاح الهجوم، التبخيس الاسرائيلي به والتقليل من شأنه والقول بفشله بالتزامن مع فرض الرقابة العسكرية الاسرائيلية تعتيماً كاملاً على ما حصل، فإنّ الثابت الوحيد في هذا المشهد المشحون، هو أنّ اللغة الحربيّة هي الطاغية على امتداد المنطقة، وكل العالم مستنفر رصداً للميدان وما قد يشهده من تطوّرات وتداعيات، في موازاة التوعدات والتهديدات المتبادلة بين إيران واسرائيل على نحو يوحي بأنّ الأمور على وشك الانهيار نحو مواجهة اوسع وأشمل، فيما انضبطت واشنطن على خط المساعي وتشجيع الوساطات لاحتواء التصعيد وصياغة الضوابط المانعة انجرار المنطقة الى حرب واسعة تخرج عن السيطرة.
مما لا شك فيه، أنّ الضربة الإيرانية شكّلت حدّاً فاصلاً بين مرحلة شهدت حرباً غير مباشرة بين إيران وإسرائيل على مدى 40 عاماً، ومرحلة جديدة مختلفة عمّا قبلها، باتت فيها الحرب بين طهران وتل ابيب، «من دون قفازات»، وفق توصيف صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية، و»خرجت فيها المواجهات بينهما من الظل ومن خلال الوكلاء إلى العلن بشكل صريح ومباشر. وإنّ الردّ (الإسرائيلي على الهجوم الإيراني)، يمكن أن يقود إلى تصعيد كبير في المنطقة». على ما اورد موقع «بوليتيكو» الأميركي.
وإذا كانت المستويات السياسية والإعلامية الدوليّة على اختلافها، تواكب تطوّرات الميدان الإيراني – الإسرائيلي لحظة بلحظة، وتركّز على احتمالات الردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية، وخصوصاً انّ المستويات الإسرائيلية السياسية والعسكرية تتحدث عن ردّ حتمي على إيران، وهو الأمر الذي يعزز الخشية من تدحرج الامور إلى ردّ، ثم إلى ردّ على الردّ، وهكذا دواليك في مسار تصاعدي نحو السقوط في ما هو أدهى، فإنّ لبنان بكلّ مستوياته، يراقب هذا المشهد بحذر شديد، وقلق بالغ من أن يتشظّى بشراراتها ويُجرّ إلى آتون حرب لا يريدها، بل لا يحتملها.
حول هذا الامر، لا يلغي مرجع سياسي من حسبانه احتمال أن تلجأ إسرائيل إلى التصعيد، وقال لـ»الجمهورية»: «عنصرا القلق والاطمئنان متساويان بالنسبة لي، فبالنسبة الى تقييم الضربة الإيرانية، فلا شك أنّها فرضت قواعد اشتباك جديدة بين إيران وإسرائيل، التي على لسان مستوياتها السياسية والعسكرية فوجئت بحجمها. ما يعني انّ على اسرائيل أن تعدّ للعشرة وتأخذ العبرة قبل أي عمل عدائي ضدّ طهران. ويبدو أنّ واشنطن كانت اول من قرأ نتائج الضربة الإيرانية، ولذلك سارعت الى احتواء نتائجها وثني اسرائيل عن أي محاولة لمفاقمة التصعيد».
ولكن في مقابل ذلك، يضيف المرجع عينه: «لا يُؤمّن لإسرائيل وكل شيء متوقع منها، فهي تسعى الى الحرب الواسعة، واستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، كان الشرارة التي جرّت ايران الى الردّ عليها بالهجوم الصاروخي والمسيّر على اسرائيل، وغبي من يعتقد أنّ إسرائيل لم تضع في احتمالاتها أنّ إيران لا يمكن أن تمرّر استهداف القنصلية. وبناءً على ذلك، يجب ألّا نُخرج من حسباننا إقدام إسرائيل على عمل جنوني».
ومضى المرجع يقول: «انّ الأجندة الحربية لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو كشفت منذ بداية الحرب على قطاع غزة، أنّ غايته جرّ العالم إلى تغطيته في حرب واسعة لضرب محور المقاومة الذي تقوده ايران، مستفيداً من الاحتضان الدولي لإسرائيل بعد عملية «حماس» في 7 تشرين. وكما هو معلوم فإنّ غايته هذه أحبطتها الولايات المتحدة الأميركية بفرضها على إسرائيل إبقاء دائرة الصراع محصورة في نطاق غزة. وواشنطن كما باريس مارستا ضغوطاً كبيرة على اسرائيل لمنعها من توسيع الحرب في اتجاه لبنان. إلّا انّ ما يُخشى منه اليوم هو أن يعيد نتنياهو الكرّة ويستغل الدعم والاحتضان المباشر الذي تلقّته اسرائيل من حلفائها بعد الضربة الإيرانية، ويحاول إشعال فتيل حرب واسعة في المنطقة، تمتد من ايران الى لبنان».