جبل عامل، أو جبل الجليل أو الخليل، أو بلاد بشارة، أسماء عُرف بها قديماً جبل عامل الذي يستحضر أبناؤه مجدّداً اليوم تاريخ نضالاتهم على مرّ الزمن، ضدّ الصليبيين والعثمانيين والإنتداب الفرنسي والإحتلال الإسرائيلي.
فالعدوان الهمجي المستمرّ هذه الأيام على الطيبة، حولا، مركبا، قبريخا، عدشيت، القنطرة، رُبّ ثلاثين، طلّوسة، مجدل سلم، عديسة، دير سريان، ميس الجبل، بني حيان، الصوانة، تولين، بليدا، محيبيب، الغندورية، برج قلاويه، وغيرها، يذكّر بمعاناة هذه البلدات الممتدّة منذ مئات السنين، وبصمود أبنائها الأسطوري ومقارعتهم كل أشكال الإحتلالات.
فالأهالي، بحسب رئيس اتحاد بلديات جبل عامل الحاج علي طاهر ياسين، “عاندوا كلّ قوّة خارجية دخلت إلى مناطقهم، بدءاً من الحكم العثماني مروراً بالانتداب الفرنسي وصولاً إلى الإحتلال الاسرائيلي، لم يرضخوا لأيّ محتلّ أو لأيّ تواجد خارجي وغير وطني، ومقاومتهم يُشهد لها”.
الإعتداءات كانت دائمة، وكذلك المواجهات، منذ ما قبل سنة 1948، “فالمجازر التي ارتُكبت في فلسطين المحتلّة ارتُكب مثلها في حولا والخيام وغيرها من هذه البلدات التي واجهت وعانت مع هذا الكيان الغاصب قُبيل نشوئه، بعد تجمّع عصاباته لإنشاء دولة باعتراف دولي والإنضمام إلى عضوية الامم المتّحدة من دون تطبيق أيّ من معاييرها أو احترام أيّ من قراراتها”.
مع بداية حرب الإسناد لغزّة، نزح عدد كبير من أهالي قرى الحافة الأمامية إلى قرى الاتحاد قبل أن ينزحوا ثانية مع الجميع إلى كافة الأراضي اللبنانية بعدما توسّع العدوان، وهنا، حيّا رئيس الاتحاد “كلّ من ساهم في تخفيف معاناتهم، خصوصاً أولئك الذين احتضنوهم كضيوف وعاملوهم على هذا الأساس”.
وشرح “أنّ العدو لا يزال يُرابض في قرى الحافة الأمامية؛ أي في بني حيّان، طلّوسة، القنطرة، عدشيت، القصير، دير سريان، الطيبة، مركبا، عديسة، ميس الجبل، بليدا ومحيبيب، ويمنع الدخول الى 5 قرى أخرى خلفها، فيما عاد أهالي البلدات الواقعة غرب وادي السلوقي بعدما تحرّرت”.
وروى ياسين أنّ بعض الأهالي عادوا إلى بلداتهم فجر يوم تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار، ومن بينهم أهالي قرى الحافة الأمامية، “من دون أن يكونوا على دراية تفصيلية ببنود الاتفاق غير الواضحة لهم، لكنّ العدو فتح نيرانه على أبناء مركبا وطلوسة وميس الجبل وأوقع اصابات في صفوفهم وسقط من بينهم شهداء، قبل أن يعودوا أدراجهم، بناء على توجّهات الحكومة والجيش اللبناني” .
ولفت الى “أنّ عدداً كبيراً من أهالي قرى الحافة الامامية عادوا إلى أماكن نزوحهم في قرى الاتحاد، والقسم الآخر الى أماكن انتشارهم في المناطق اللبنانية، وسط غياب أي اهتمام رسمي بهم للأسف”، سائلاً : “هل نأت الدولة بنفسها عن مناطق الحافة الأمامية”؟ بعدما اتّهمها “بالتقصير أساساً في حق أبنائها وتقديم الخدمات لهم طيلة عقود”.
رئيس الاتحاد سلّط الضوء على عمل البلديات “فعملت فور وقف النار على فتح الطرقات وردم الحفر الأساسية تسهيلاً لعودة الناس قبل أن تنصرف إلى تأمين خدمات مناطق جبل عامل الأولى وفق خطة الإتحاد والبلديات بالتعاون مع “حزب الله” و”أمل” ومجلس الجنوب وبالتنسيق مع محافظ النبطية هويدا الترك وخلية الأزمة في المحافظة، والقاضية بإعادة مقوّمات الحياة إلى القرى المحرّرة، من فتح طرق وانتشال جثامين الشهداء وتوفير المياه والكهرباء، إلى ما هناك”.
وفي مسح أوّلي للأضرار، تبيّن وِفق ياسين، “أن الهمجية الصهيونية لم تطاول جانباً معيناً واحداً، بل طاولت الشجر والبشر والحجر، فاستناداً إلى ما يردنا عن حجم تقريبي للأضرار في قرى الحافة الامامية، يجب إعلانها منطقة منكوبة بعدما عمد العدو إلى ازالة كل مظاهر الحياة المدنية والانسانية، بدءاً بالوحدات السكنية والمؤسسات التجارية والبنى التحتية من طرقات وشبكات مياه وكهرباء وهاتف، والمؤسسات المجتمعية والعامة والادارات الرسمية من مدارس ومستوصفات ومراكز صحّية ومساجد وحسينيات ونوادي اجتماعية ومؤسسات زراعية أكانت كبيرة أو صغيرة، أضف إلى الأضرار التي لحقت بالمزروعات، فكلّها تعرّضت لاعتداء ممنهج، ما يعني أنّ الاستهداف لم يكن استهدافاً لعناصر المقاومة التي كانت تتصدّى للعدوان، حتى في القرى الملاصقة لقرى المواجهات العسكرية، فقد أظهرت الإحصاءات الاولية غير الرسمية أنّ العدو قضى على كل مظاهر الحياة فيها، وأنّ نسبة حجم الأضرار لا تقلّ عن 70 بالمئة، ولعلّ مشهد وادي الحجير منذ أيام أبلغ مثال، بعدما عمد العدو إلى جرف الطريق المعبّدة والمرتفعة عن الأراضي بهدف إلحاق الأذى والثأر من ناسها فقط والقضاء على أي مظهر من مظاهر الحياة، ليس إلّا”.
وفي انتظار أن تكمل لجان المسح الرسمية في مجلس الجنوب مهمّتها، تبيّن لفِرق المسح المكلّفة من قبل مؤسسة “جهاد البناء الانمائية” أنّ الطريق أمامها لا يزال طويلاً، فبعد مرور شهر على وقف إطلاق النار لم تمسح بعد ما نسبته 50 بالمئة من الأضرار، قبل الوصول إلى مرحلة التدقيق التي تسبق مرحلة دفع التعويضات للأهالي. أمّا مسح الوحدات السكنية المهدّمة كلّياً، فقد شارف على الانتهاء، وبدأت عملية دفع تعويضات الإيواء، وفق ياسين، “علماً أنّ دورنا يقتصر على مؤازرة فرق المسح لوجستياً وتسهيل عملها ادارياً وقانونياً”، مشيراً الى أنّ “الكشف على الوحدات السكنية المتضّررة لتقرير ما إذا كان وضعها يحتاج إلى ترميم أو إعادة بناء، جارِ حالياً، علماً أنّ هذا المسح سيأخذ وقتاً أكثر”.
وأوضح أنّ عمل الفرق يتفاوت بحسب حجم الدمار في كل قرية وبلدة، مشيراً إلى أنّ الاهالي الذين عادوا إلى منازلهم وتحتاج لصيانة بسيطة، أجروها على نفقتهم علماً أنّ مؤسّسة جهاد البناء ستدفع لهم بدلات كلفة هذه الاعمال”. وهنا، ناشد الوزارات المعنية ولا سيّما وزارة الاقتصاد “أن تمارس رقابة حقيقية على تجّار الازمات لاحتكارهم الزجاج وربّما مواد البناء غداً، بهدف رفع الأسعار ومضاعفة الأرباح على حساب الناس”.
وتحدّث رئيس الاتحاد عن وضع أكثر من تصوّر وخطة لإعادة الإعمار، “فبطبيعة الحال يمكن أن يصار إلى تعديل المخطط التوجيهي لعدد كبير من البلدات والقرى التي أزيلت معالمها، أو تلك التي تمّ محو أحياء كاملة فيها بفِعل العدوان”.
وإذ شدّد على “أنّ عصب العمل التنموي هو المال، أي التمويل، والعامل الأساسي في عملية التنمية هو الاستقرار”، لفت إلى “أنّ مؤشّرات التنمية في الاتحاد وقراه التي كانت تتحسّن سنوياً قد تراجعت سنوات إلى الوراء بفِعل هذه الحرب الهمجية، وسط أزمة مالية قائمة أساساً، وتراجع عائدات الصندوق البلدي المستقل وقيمتها المتدنيّة بالليرة، مُسجّلاً “عدم مواكبة رسمية للبلديات والاتحاد في معالجة آثار العدوان، وسط تحرّك خجول لمجلس الجنوب بفعل غياب الموازنات له وعدم رصد مبالغ مالية له بعد”. وأعلن “أنّ مطالب الاتحاد تنحصر بشكل أساسي بموضوع التمويل الذي يفترض أن يكون مدروساً”.
وخاطب ياسين الأهالي بالقول: “سنخدمكم بأشفار عيوننا كما أوصانا سيّد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي وسار على دربه الشهيد الأسمى السيد حسن نصرالله وسنستمرّ بخدمة أهلنا وناسنا في أي موقع كان من دون أن ننتظر ما يسمّى منظّمات دولية أو مجتمع دولي أو أمم متّحدة لإعادة الإعمار”.
أخيراً، أكّد ياسين أنّ العدوّ “هو من كان لا يطبّق القرار 1701، فالجيش اللبناني كان منتشراً على كل الأراضي في غياب أي مظاهر مسلّحة، والعدوان هو من أوجب ظهور المقاومة لصدّه ومواجهته”، آسفاً “لعدم قيام اليونيفيل بدورها المطلوب، حتى بعد خروقات وقف إطلاق النار”، مؤكداً الإستعداد “للتعاون معها لما فيه مصلحة أهلنا وناسنا واستقرار هذه القرى وتنميتها”. وناشد الدولة “أن تحمي الأرض فعلاً، علماً أنّ حقّ الدفاع عن النفس شرّعته مواثيق الامم المتحدة، ومعتبراً “أنّ معادلة جيش وشعب ومقاومة هي الدرع الوحيد القادر على وضع حدّ للعدوان المستمرّ”.