ياطر، بلدة جنوبية في قضاء بنت جبيل تنتمي إلى محافظة النبطية، وتتبع لاتحاد بلديات القلعة ـ تبنين. في الأصل لم يكن اسمها ياطر، وإنّما حرّفت من اسم” ياثر” عام 1920، وكلمة ياثر موجودة في دفاتر الدولة العثمانية الإحصائية إلى اسم” ياطر”؛ لأنّ اللغة الفرنسية ليس فيها حرف الثاء.
يحدّها؛ جنوباً بيت ليف، شمالاً صدّيقين وكفرا، شرقاً صربّين وجزء من كفرا، وغرباً جبال البطم وزبقين. تبعد عن العاصمة بيروت نحو 115 كلم، وعن مركز القضاء نحو 12 كلم، وترتفع عن سطح البحر نحو 730 مترا.
كانت ياطر على الدوام في دائرة استهداف العدوّ، كونها تشرف على ربى فلسطين المحتلة، كما أوضح رئيس بلديتها خليل كوراني، وصارت من القرى المنكوبة بفِعل تعرّضها الدائم للغارات والقصف المدفعي. “فللبلدة تاريخ مشرّف في المواجهات ضدّ الإحتلال وقد دفعت أكثر من 100 شهيد، قبل أن ينضمّ اليهم في الحرب الأخيرة أكثر من 40 شهيداً، بينهم مختاران وعضو مجلس بلدي، والرائد محمد فرحات الذي استشهد مع المجندّين محمد بزال وموسى مهنا بقصف إسرائيلي استهدف البلدة، خلال إسعافهم مصابين، لكن نحمد الله على أننا لا نزال صامدين ندافع عن أرضنا ووجودنا”.
وشرح كوراني أنّ ياطر “هي من القرى الأكبر في محيطها، فمساحتها شاسعة، إذ تمتدّ على مساحة 3000 هكتار أي ما يساوي 30 كيلو متر مربّع، وتتميز بجبالها ووديانها العميقة، وهي غنية بالآثار من العهد البيزنطي والروماني، وقد حباها الله بمنظر طبيعي خلّاب وتشرف على جبل الشيخ والتلال المواجهة لفلسطين المحتلّة، فارتفاع أعلى تلّة فيها 772 متراً، كما تشرف على الساحل اللبناني من الناقورة حتى صيدا، وقد صُنّفت سابقاً من القرى السياحية الأولى في لبنان خلال الستّينات وقد أطلق عليها لقب البلدة السياحية، واحتلّت المركز الثالث في الاصطياف في أربعينات القرن الماضي.
يتجاوز عدد سكّان ياطر الإجمالي 12 الف نسمة، ويقيم فيها على نحو دائم في فصل الشتاء أكثر من 5 آلاف نسمة ليرتفع العدد صيفاً الى 8 آلاف نسمة.
معظم الأهالي يعتمدون على الزراعة كمورد أساسي لمعيشتهم، ولا سيّما زراعة الزيتون والتبغ والعريش والتين والفواكه والخضراوات، وعلى تربية المواشي والنحل “فالعسل الذي تنتجه هو الافضل في المنطقة”، وِفق كوراني. وخلال العدوان الأخير، نزح الأهالي إلى مساحة الوطن، ومنهم من قصد سوريا والعراق، قبل أن يعودوا إلى البلدة فور دخول إتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، “مُتَحَدّين بذلك تهديدات العدوّ وتحذيراته لهم من مغبّة العودة”.
مُنيت ياطر بخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات جرّاء القصف والغارات الإسرائيلية عليها، “فالعدو الإسرائيلي صبّ حمم صواريخه الآثمة على رفات الأنبياء والأولياء، إذ دمّر مقام النبي ياثر ومسجد الإمام زين العابدين وثلاث حسينيات فيها.
وتحدّث كوراني عن تدمير ممنهج للوحدات السكنية، حيث تمّ تدمير أكثر من 220 منزلاً بالكامل، فيما تضرّر 630 منزلاً آخر بشكل كبير، أضف إلى تدمير حوالى 50 مؤسسة تجارية. كما دُمّر جزء كبير من مبنى البلدية ومستوصف ياطر الصحّي الاجتماعي الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الاجتماعية. وطاول التدمير الكامل مبنى المدرسة القديمة المؤلف من ثلاثة طوابق، وقد اتّخذته البلدية سابقاً كمقرّ لها منذ العام 1998 حتى ربيع 2012 قبل بناء القصر البلدي، وضمّ المبنى، إضافة إلى مدرسة تعليم القرآن الكريم مركز الهيئة الصحّية الإسلامية وكشافة الرسالة الإسلامية اللذين دمّرا مع سياراتهم وسيارات الدفاع المدني ورجال الإطفاء”.
وأعلن كوراني أنّ ياطر، شأنها شأن سائر القرى الأمامية، تترقّب برنامج الدولة والمؤسسات المانحة لإعادة تأهيل البنى التحتية فيها، “وقد دُمّرت بأغلبها، ولإعادة بناء ما تهدّم، لا سيّما شبكتي الكهرباء والمياه، ركني استمرار الحياة”. وقال: “لم نلمس لغاية الساعة حضور أي مؤسسة رسمية للوقوف على احتياجات البلدة، مقابل حضور خجول لبعض الجمعيات الدولية مع مساعدات زهيدة ، فيما كانت المساعدات الفعلية والسريعة من مؤسسة جهاد البناء، التي قدّمت لكل وحدة سكنية مدمّرة 8 آلاف دولار بدل أثاث، و4 آلاف دولار بدل إيواء، ومساعدات لترميم المنازل المتضّررة.
أمّا وضع البلدية فمُذرٍ، على حدّ تأكيد رئيسها، “فالدفعة الأخيرة من مستحقاتها قبضتها عن سنة 2021 بمبلغ إجمالي قدره 560 مليون ليرة، فيما الرواتب الشهرية للموظفين الدائمين والمياومين 150 مليون ليرة، عدا عن كلفة جمع النفايات شهرياً والبالغة 150 مليون شهرياً، والمنح المدرسية لموظفي البلدية بلغت عن العام الماضي مليار و108 ملايين ليرة، وما وصلنا من صندوق البلديات لا يكفينا لشهر، بينما تجهد البلدية قدر المستطاع في تسيير معاملات الأهالي. فالمسؤولية كبيرة ولا نستطيع التهرّب منها، وواجبنا الوقوف الدائم مع أهلنا الصامدين وبلسمة جراحهم، ولولا تبرّعات بعض أصحاب الأيادي البيضاء في البلدة، لكان وضعنا المالي في الحضيض”.