“تسريع اسرائيل لعمليّاتها العسكرية في الجنوب هو لخلق وضع يُعيده الى ما قبل “اليونيفيل”، وخلط كافة الأوراق في الجنوب، ومن مصلحة لبنان تطبيق القرار1701 كلّياً، وتحديداً في جنوب الليطاني، وأن يكون الجيش اللبناني هو المُمسِك الوحيد والفِعلي بالوضع الأمني والعسكري. فهذا هو المدخل الوحيد لوقف إطلاق النار، ومنطق التأجيل لن يؤدّي إلّا إلى بقاء السخونة. فاستراتيجية اسرائيل الواضحة باستمرار الحرب لا يجوز إلا مواجهتها وهي لحظة ضرورية لتنفيذ الـ 1701 حتى لا يبقى لبنان رهينة لكافة أنواع الصراعات في أوقات مختلفة ولأسباب ومسبّبات مختلفة.”
هذا ما أكّد عليه الديبلوماسي المخضرم، وزير الخارجية اللبنانية السابق ناصيف حتّي لـ”المدى”، معتبراً أن ما يحصل “هو حرب استنزاف اسرائيلية طويلة لتغيير الوضع كلّياً على مستوى المنطقة، وطبعاً هذا غير ممكن، ولكن في المقابل هناك متغيرات ودروس وعِبر أساسية يجب علينا أخذها في الاعتبار، وهي أنّ العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل غير ممكن لنا ولغيرنا، لأسباب مختلفة ومتناقضة. فمن مصلحتنا أوّلاً وأخيراً تنفيذ الـ1701 بحذافيره، وطبعاً لا شي اسمه “1701بلاس” وحقّ اسرائيل بالرقابة، فهذا مرفوض مبدأً ومضموناً، فتنفيذ القرار يكون من قبل الجانبين، وهنا العبرة الأساسية للقوى الفاعلة في مجلس الامن، وتحديداً لمن لديهم قدرة التأثير على اسرائيل لفرض تنفيذه بشكل كامل للتمكّن من التفاوض على تثبيت الحدود المرسّمة أصلاً”.
ونبّه حتّي إلى “أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه والدخول في المجهول، وربّما الإنزلاق نحو حرب أوسع، مع ما تحمله من مخاطر كبيرة على عدم الاستقرار مُستقبلاً، ليس في مصلحة أحد، وعلى القوى الدولية الفاعلة والمؤثّرة، وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية، أن تفرض على اسرائيل احترام قرارات مجلس الامن ذات الصلة وفي مقدّمها الـ1701 الذي لم ينفّذ إلا بشكل جزئي وانتقائي وكان مرتكزاً إلى تفاهم غير مكتوب، سمح بإبقائه لفترة، قبل أن يتغيّر الوضع مع وحدة الساحات، وباتت العودة اليه غير ممكنة كما هو واضح. وبالتالي لا يمكن أن يبقى لبنان رهينة لأوضاع من هذا النوع قد تؤدي الى كافة أنواع الحروب، المفروض فرض الاستقرارعلى الجبهة اللبنانية عبر التنفيذ الكلي في جنوب الليطاني في المرحلة الاولى”.
وافتقد حتّي “السياسة الأوروبية الفاعلة والمؤثّرة”، مُذكّراً بأنّ المواقف الأوروبية “كانت دائماً واضحة، وهناك مصلحة للدول الأوروبية المتوسّطية في الأمن والاستقرار على الضفّة الشرقية والجنوبية للبحر الابيض المتوسط، أي منطقة الصراع مع اسرائيل”، معوّلاً على “دور أوروبي مؤثّر وفاعل وبشكل خاص على دور فرنسا والمساعدة في الدفع نحو وقف القتال وإعادة إحياء عملية السلام حسب قرارات مجلس الامن”. وأشار إلى أنّ “إبقاء الوضع على ما هو عليه وتكريس الاحتلال الاسرائيلي، لا يمكن أن يؤمّن السلام بل يمكن أن يحقّق استقراراً موقتاً قابلاً للانفجار في أي لحظة”.
وبدا حتّي أنّه لا يعلّق أهمية كبيرة على زيارة الوسيط الاميركي آموس هوكستين، متمنّياً أن يكون مخطئاً، فإدارة بايدن “في عزّها” لم تمارس فعلياً أي ضغط على اسرائيل “لا بل كانت متفهّمة لسياستها، وهذه الإدارة لا تزال قائمة قانونياً، وهي الحاكمة دستورياً حتى 20 كانون الثاني المقبل، ولكنها فاقدة للدور، ما يعني عملياً أنّها فترة انتقالية بين الإدارة المنتهية ولايتها للرئيس جو بايدن وإدارة الرئيس دونالد ترامب القادمة، واذا لم يكن هناك قرار أميركي واضح وصارم بالضغط على اسرائيل لوقف عدوانها على غزة ولبنان وتنفيذ قرارات مجلس الامن، فمعناه شراء وقت، والحديث عن هدنة لـ 20 أو 30 يوماً يسمح بتبريد الجبهة موقّتاً فتلتقط اسرائيل أنفاسها قبل أن تستأنف عملياتها التدميرية. فالمطلوب اليوم هو موقف حازم وحاسم: وقف اطلاق النار، والبحث في تبريد الجبهات ضمن إحياء عملية سلام متعدّدة الأبعاد وربما المسارات، ولكن بهدف واضح هو تحقيق السلام”.
وإذ وضع حتّي كلام الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم بأنّ “الميدان وحده سيوقف العدوان” في سياق “التفاوض على الأرض الذي ينعكس على التفاوض السياسي”، أكّد أنّ لبنان “لم يعد يستطيع تحمّل الخسائر والكوارث، لكن هذا لا يعني الاستسلام لموقف إسرائيل، بل أن نتمسّك بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة وفي مقدّمها الـ 1701، وأن تكون لنا ديبلوماسية ناشطة متحرّكة فاعلة مع الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة والدول المعنية بالأمن والاستقرار في المنطقة لوقف العدوان على غزة ولبنان والعودة الى عملية السلام على قواعد واضحة ومعروفة” .
وعشية قمّة الرياض، رأى حتّي “أنّ الدول العربية والإسلامية تملك الكثير من الأوراق، والمطلوب المزيد من الحزم والعزم وليس فقط اتّخاذ قرار، بل ترجمته بتحرّك ديبلوماسي فاعل وفعّال تجاه عواصم الدول المؤثّرة، لكي تفرض على اسرائيل احترام القرارات التي هي وضعتها في مجلس الأمن قبل الحديث عن السلام على أساس قرارات مجلس الأمن ومبارة السلام العربية التي أطلقت في قمة بيروت العربية عام 2002 . إذاً، المطلوب أن يكون التحرّك على مستوى الأحداث والتطورات والمخاطر التي قد تصيب المنطقة ومصالح الجميع من دون أي استثناء”.
حتّي الذي لم يلمس أي ملامح تسوية في الأفق، شدّد على وجوب إعادة إنتاج السلطة “فعندما يكون الوطن في خطر، لا يجوز استمرار الفراغ في السلطة: غياب رئيس، غياب حكومة فاعلة، والبعض يقول هذا الموضوع يأتي قبل ذاك، سيروا بالمسارين، فالوقت ليس للمناكفة اليوم وانتخاب رئيس توافقي مسؤولية وطنية مع حكومة وبرنامج عمل لأنه لا يمكن التفاوض مع دولة بلا رئيس. فما ينقذ الوطن اليوم هو انتظام السلطة والعودة الى بناء مؤسسات الدولة”.