في ظل التوترات المتصاعدة على الساحة الدولية، يظل السؤال الأهم حول الملف النووي الإيراني: هل سينجح التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران في التوصل إلى اتفاق جديد يعيد الاستقرار؟ تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب الأخيرة حول بدء المحادثات النووية مع إيران تثير تساؤلات حول مواقف الأطراف المعنية، وخصوصًا إسرائيل التي ترفض أي تقارب بين واشنطن وطهران. في حال فشلت المفاوضات، ما هي العواقب المحتملة على الأمن الإقليمي والدولي؟ وهل ستعود إيران إلى التصعيد النووي أم ستسعى الأطراف المعنية إلى تحجيم الأضرار؟ وما هي الأسباب التي تقف وراء مبادرة ترامب الجديدة في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً في ظل معارضة إسرائيل؟
ومن ايران، اكد الخبير في الشؤون الإقليمية والدولية د. حكم أمهز أن ما يجري حاليًا لا يُعتبر عودة إلى الاتفاق النووي الذي تمّ توقيعه في عام 2015، بل يجب أن يُنظر إلى اتفاق 2015 كأساس للإنطلاق نحو اتفاق نووي جديد. وأوضح أن هناك تطورات كبيرة قد حدثت منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، فضلاً عن التغيرات التي طرأت على البرنامج النووي الإيراني، ما يعني أنه لن يكون هناك مجرد عودة إلى الاتفاق السابق. وبالتالي، إذا تم التوصل إلى اتفاق، فسيكون اتفاقًا جديدًا.
وأضاف: “الإيرانيون يصرّون على أن المفاوضات غير مباشرة، في حين يرى الأميركيون أن المفاوضات مباشرة”. وشرح ذلك قائلًا: “من وجهة نظر الأميركيين، إذا كان الوفدان في نفس الفندق، فإن ذلك يعني أن المفاوضات ستجري بشكل مباشر، بينما يرى الإيرانيون أن الأمر يختلف. ففي نظرهم، حتى وإن كان الوفدان متواجدين في نفس المكان، إلاَّ أن العملية ستكون غير مباشرة من حيث تبادل المواقف”.
وقال أمهز: “الإشكالية ليست هنا، سواء كانت المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، الأهم هو الوصول إلى نتائج. هل يمكن الوصول إلى هذه النتائج؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه”. وأضاف: “المفاوضات جاءت بعد تغييرات في الموقف الأميركي استجابة للشروط الإيرانية. فقد اشترط الإيرانيون ألا يتم التفاوض حول قدراتهم الصاروخية أو تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، أو حول موضوع حلفاء إيران في المنطقة. بل تم الاتفاق على أن تقتصر عملية التفاوض فقط على موضوع البرنامج النووي الإيراني، لا أكثر ولا أقل. وإذا تم التوصل إلى مراحل متقدمة لاحقًا، فإن الإيرانيين لا يتطرقون إلى مسألة حلفائهم في المنطقة، بل يقتصر دعمهم على وجهات نظر حلفائهم في ما يتعلق بقضايا المنطقة”.
وعن الثمن، قال أمهز: “الأميركيون يقولون إنهم يريدون منع إيران من تصنيع السلاح النووي، وبطبيعة الحال، ايران لن تخسر شيئاً في هذا الإطار إذا قالت إنها لن تصنّع، لأن هذا القرار هو قرارها منذ سنوات. الأميركيون والإسرائيليون يقولون إنه خلال أشهر ستقوم إيران بتصنيع السلاح النووي، وأنها أصبحت تمتلك القدرة على التسلّح النووي، وبعضهم قال إنه خلال أسابيع ستصنّع إيران السلاح النووي، لكنّها لم تفعل. إذا كان هذا هو الموضوع الذي يحل المشكلة ويشكل تنازلاً من قبل إيران، فليس لدى إيران مشكلة في ذلك، فهي لا تريد أصلاً أن تصنّع السلاح النووي.
وأضاف: “لكن الولايات المتحدة لديها أبعاد أخرى، فهي تريد تقييد أو نزع القدرات العسكرية من إيران، لا سيما الصواريخ الباليستية وتكنولوجيا الطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى موضوع حلفاء إيران في المنطقة. وبالتالي، هذه الأمور صعبة، ولا أعتقد أن إيران ستوافق عليها مهما كان الثمن، لأن بمجرد أن تقبل بنزع قدراتها العسكرية، يعني أنها أصبحت مهدّدة وجوديًا من قبل أميركا وإسرائيل. لذا، من الأفضل لإيران أن تبقي هذه القدرات لديها حتى ولو دخلت في حرب. فهي ستكون مخيرّة بين الحرب والوجود، وبالتأكيد ستختار الحرب إذا وقعت، ولكن من المحتمل أن يكون هناك تطورات أخرى في هذا الملف.
فقد قال ترامب في رسالته التي بعث بها إلى السيد علي خامنئي تحديدًا، إن الولايات المتحدة الأميركية تحت قيادتي مستعدة لاتخاذ خطوة كبيرة من أجل السلام وخفض التوتر مع إيران. وهذه الجملة تدل على أن هناك تراجعًا في الموقف الأميركي، إذ يبدو أن الأميركيين، وترامب بشكل خاص، يريدون تحقيق شيء ما. ثم قال في آخر الرسالة: ‘السلام ليس من صنع الضعفاء أبدًا، بل من صنع الأقوياء’.
وأيضا، ما حدث في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نتنياهو كان واضحًا أنه لم يكن نتنياهو ولا الإسرائيليون يعلمون بما يجري من مفاوضات بين إيران وأميركا، ما يعني أولًا أن نتنياهو والإسرائيليين قد صدموا بهذا الموضوع. وهذا يعني أيضًا أن ترامب يريد أن يحقق الأهداف الأميركية أولاً، أي “أميركا أولاً”. لا يهمه الشأن الإسرائيلي. لقد شاهدنا تقريبًا المشهد ذاته ولكن بسيناريو مختلف، حيث شاهدنا “إذلال” زيلينسكي، واليوم نشهد “إذلال” نتنياهو أمام مرأى العالم.
فعمليًا، لن يكون هناك تنازلات، ولكن الصيغة الأفضل التي ستستخدم في هذا الوضع هي صيغة “رابح – رابح”، أي أن كلا الطرفين يحقق تسوية تخدم مصالحهما.”
واعتبر أمهز أن إعلان ترامب عن المفاوضات في حضور نتنياهو يحمل دلالة واضحة، “فهذا القرار قد اتُخذ، وعليك تنفيذه كما أريد”، وأضاف أن دعوة ترامب لنتنياهو للقدوم إلى واشنطن لم تكن مجرد دعوة، بل كانت استدعاءً سريعًا ودون تنسيق مسبق. وعندما غادر نتنياهو، غادر بطريقة مربكة وغير واضحة، ما أثار انتباه وسائل الإعلام الإسرائيلية التي ركزت على هذا الموضوع وأكدت على الصدمة وخيبة الأمل، حيث لم يكن الإسرائيليون على علم بالتفاوضات وما يجري خلف الكواليس.”
كما أشار إلى نقطة مهمة، “حيث اشترط الإيرانيون أن تكون المفاوضات في سلطنة عُمان، وأن لا يتم تسريب أي معلومة عنها حتى الانتهاء منها والوصول إلى نتائج. وبطبيعة الحال، التزم الأميركيون بهذا الشرط”.
وتوقّع أمهز أن يصعّد نتنياهو خطابه الكلامي ضد البرنامج النووي الإيراني، في محاولة لتشتيت الرأي العام الإسرائيلي عن الإهانة التي تعرّض لها خلال وجوده في البيت الأبيض مع ترامب، كما سيحاول أن يمارس ضغطًا أكبر لتحقيق مكاسب من هذا الاتفاق إذا تم التوصل إليه. وقال: في تقديري، الأميركيون سيأخذون مصالحهم في الاعتبار، ولن يركزوا على المصالح الإسرائيلية باعتبار أن شعار ترامب هو “أميركا أولاً”، ولا أعتقد أن الدول الأوروبية ستكون قادرة على لعب دور محوري في الاتفاق، وذلك بالنظر إلى أنها قد فشلت في التزاماتها السابقة، سواء في ما يتعلق بالاتفاق النووي أو آلية ‘إنستكس’ المالية للتبادل المالي بين إيران والدول الأوروبية. لم تتمكن حتى من حماية الشركات الأوروبية التي كانت تستثمر في إيران بعشرات المليارات من الدولارات، ولم تحمها من العقوبات الأميركية. لذلك، اليوم، أصبحت أوروبا أكثر ضعفًا نتيجة تبعيتها للولايات المتحدة، التي تعمّقت عبر الحرب في أوكرانيا والتضخم المالي والاقتصادي الذي تعيشه القارة نتيجة لذلك.”
وأضاف أمَهز: “من وجهة نظري، أي اتفاق نووي سيتم التوصل إليه سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة. لكن في حال فشل المفاوضات وعدم الوصول إلى اتفاق، فذلك سيؤدي إلى تداعيات سلبية على المنطقة أيضًا. عمليًا، المنطقة ستتأثر إيجابًا بتوقيع الاتفاق، وسلبًا في حال عدم التوصل إليه. ولكنني أعتقد أن هناك فرصة حقيقية للمفاوضات إذا كانت النيات صادقة. حتى الآن، من غير الواضح ما إذا كانت هناك إمكانية حقيقية للتوصل إلى اتفاق أم لا، لكنني أرجح أنه في النهاية ستتم المفاوضات المباشرة وسيتم التوصل إلى اتفاق.”