أمّا وقد بدأ عقد المؤسسات يكتمل، بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، وفي انتظار ولادة البيان الوزاري، يجد لبنان نفسه اليوم على مفترق طرق، إذ أمامه تحدّيات كثيرة، يترقّب الجميع سبل مواجهتها من قبل حكومة “الإصلاح والإنقاذ”، كما أطلق عليها رئيسها نواف سلام، وكيفية تعاطيها مع ملفات أساسية.
ويتربّع على عرش هذه التحدّيات، تطبيق القرار 1701 بكافة مندرجاته وانسحاب اسرائيل الكامل من الجنوب وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، لتليها معالجة الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية عبر تطبيق الإصلاحات ومكافحة الفساد لإعادة الثقة بين لبنان ومحيطه العربي والمجتمع الدولي، إلى ما هنالك من ملفات استراتيجية أخرى.
فمع دخول البلاد مرحلة جديدة بفِعل الرياح التغييرية التي لفحتها بعد أن هبّت عليها من الخارج، ولا سيما من واشنطن، باتت الحاجة أكثر من ضرورة لبرنامج إصلاحي كامل وشامل وتدرّجي، في إطار زمني محدّد، وعلى اتخاذ خطوات جدّية وليس حلولاً موقّتة، على اعتبار أنّ “سياسة المراهم والتأجيل والحلول الجزئية لم تعد تجدي”، كما أكد وزير الخارجية السابق ناصيف حتّي، مشيراً إلى “أنّ لبنان اليوم على مفترق طرق حالياً، وأمام تحديات كبيرة، والجميع يعي هذا الأمر، بدءاً من التحدّيات الخارجية المتمثّلة بوجوب انسحاب إسرائيل من الجنوب بشكل كلّي قبل 18 شباط الجاري، وإمساك الجيش اللبناني بزمام الأمور كلّياً، مروراً بالتحدّيات الداخلية، من اقتصادية واجتماعية وسياسية، وكلّ هذه الامور مترابطة بعضها ببعض، فالبلد في مأزق كبير، والوضع الإقتصادي سيّء جدّاً، وكلفة الخروج من القعر اليوم تبقى أقل من الغد، لذلك وجب الإسراع وليس التسرّع، في وضع خطة شاملة متكاملة في أبعادها وعناصرها لمشروع اصلاحي كامل، يتناول الشأن الاقتصادي وضرورة إعطاء أهمية كبرى للقطاعات المنتجة من صناعية وزراعية، كما يتناول الشأن المالي والسياسي والإداري، بمعنى العودة إلى بناء دولة المؤسسات والقانون والقضاء، كما يتناول الشأن الاجتماعي، فمن مسؤولية الدولة تأمين شبكة أمان اجتماعي وصحّي خصوصاً لمن هم دون الطبقة المتوسطة التي سقطت بفعل الانهيار، وهذا أمر خطير، لأنّ من أهمّ مؤشرات الاستقرار في البلد هو وجود طبقة متوسطة كبيرة”.
وباختصار، أكد حتي ” على وجوب أن يكون هناك نظرة شاملة للإصلاح في كافة أبعاده المترابطة مع خطة تدرّجية مستندة إلى خريطة طريق واضحة، وليس تأجيل الامور، أي إعادة هيكلة شاملة لقطاعات عديدة”.
وشدد حتّي على “ضرورة استكمال الإنسحاب الاسرائيلي وبشكل كامل من الجنوب، اليوم قبل الغد، داعياً إلى “الرفض المبدئي والكلّي لوجود نقاط مراقبة إسرائيلية”، بعدما عدّها “نقاط احتلال في الأراضي اللبنانية”، إلّا أنه اكد في الوقت نفسه على مسؤولية لبنان وضرورة “أن تُمسِك الدولة اللبنانية كلّيا بالقرار، وتكون وحدها المسؤولة عن الأمن في الجنوب.”
وفي انتظار مضمون البيان الوزاري، لا سيّما لناحية معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، انطلق حتّي من المعطيات الجديدة والتطورات التي حصلت، ليؤكد، وبوضوح، على “أهمية سيادة الدولة اللبنانية على كافة أراضيها”، و”إعادة بناء مؤسسات الدولة”، وكذلك على “وجوب أن تكون للعناوين مضامين”، ورأى أنّ “هناك ضرورة لعملية إنقاذ وطني”، إذ “لم يعد في استطاعتنا التلهّي بالاستمرار في الخلاف على جنس الملائكة وأن نتقاتل مع بعضنا البعض، لأنّه إذا غرق المركب سيغرق الجميع “.
ومن خلال خطابي القسم والتشكيل، لمس حتّي عزماً على المضي قدماً الى الأمام، “فعملية الإنقاذ الوطني باتت أكثر من ضرورة، وهي لمصلحة الجميع”، وإذ ثمّن الدور الخارجي وخصوصاً دور القوى الصديقة للبنان، أوضح أنّ “القرار الأساسي يبقى قراراً لبنانياً، فعلينا أيضاً أن نقوم بواجباتنا وأن نكون أكثر اهتماماً من الآخرين بإنقاذ بلدنا، عبر وضع خطة إصلاحشاملة وتنفيذها بشفافية ومترافقة مع مبدأ المساءلة وعمل مؤسّساتي وليس شخصنة السلطة وتطييفها كما كان يحصل سابقاً، وعندها، يمكن التعويل على الدعم المطلوب من الأصدقاء، وتحديداً من الأسرة العربية “.
وفي الختام، علّق حتي آمالاً كبيرة على مضيّ الحكومة بنجاح، فـ”عامل الوقت مهمّ جداً، ولا يمكن التلكّؤ والتأخّير”.