في خطوة وُصفت بأنها ضربة أمنية غير مسبوقة، أعلنت إيران استحواذها على وثائق سرّية من داخل إسرائيل، تتعلق ببرامجها النووية، وأسلحتها، وشبكات عملائها، فضلًا عن معلومات تخصّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودولًا ساعدت تل أبيب في تطوير مفاعلاتها النووية.
هذا التطور، الذي لم تعلّق عليه إسرائيل رسميًا حتى الآن، يعيد خلط الأوراق إقليميًا ودوليًا، ويطرح تساؤلات حول مستقبل المفاوضات النووية، وموازين القوى في المنطقة، والتداعيات المحتملة على الصراع الإيراني-الإسرائيلي. كما يرى فيه الداخل الإيراني إنجازًا يعزز موقف طهران التفاوضي والسياسي في المرحلة المقبلة.
الباحث في الشؤون الدولية ومؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، الدكتور رضوان قاسم، عدّ الوثائق التي حصلت عليها إيران من إسرائيل بأنها “شديدة الحساسية والأهمية، وتشمل مواد أمنية سرّية للغاية، ما يُرجّح أنها نُتجت عن عملية استخباراتية معقّدة وطويلة الأمد”. وأوضح أن خطورة هذه الوثائق لا تكمن فقط في علاقتها بالبرنامج النووي الإسرائيلي، بل تمتد إلى معلومات عن الأسلحة، وشبكات العملاء، وتعاون إسرائيل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدول التي تدعم سرًا مفاعلاتها النووية”.
وأشار قاسم إلى أن “بعض هذه الدول المورّطة موقّعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فيما إسرائيل ليست طرفًا فيها، ما يُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي، ويمنح طهران ورقة قانونية قوية لتقديم شكاوى دولية ضد هذه الأطراف، بما فيها الوكالة الذرية نفسها”. واعتبر أن هذه الوثائق تشكّل “ضربة أمنية كبرى لإسرائيل، قد تترتب عليها تداعيات سياسية وقضائية واسعة”.
وأكد قاسم أن “العملية ستعزز موقع الحكومة الإيرانية داخليًا، بإبراز قدراتها الاستخباراتية، كما ستقوّي موقفها في المفاوضات مع الولايات المتحدة حول الملف النووي، عبر تحويل الوثائق إلى ورقة ضغط قانونية وسياسية. فمن خلالها، يمكن لإيران الطعن في مصداقية الاتفاقيات الدولية، والمطالبة بتعديل الشروط أو التهديد بالانسحاب منها، مستندة إلى غياب التوازن في التطبيق”.
وتوقّع أن “تسعى طهران إلى استثمار هذه الوثائق قانونيًا ودبلوماسيًا، وربما تطالب بفتح تحقيقات دولية حول المفاعل النووي الإسرائيلي أو فرض رقابة أممية عليه، ما يضع الغرب وإسرائيل في موقع دفاعي صعب، ويعزز أوراق القوة بيد إيران”.
أما بشأن ردّ الفعل الإسرائيلي المتوقع بعد تسريب الوثائق، فرجّح قاسم أن “تل أبيب تفضّل في الوقت الراهن التزام الصمت، سعيًا لاحتواء الموقف وإعادة تقييم حجم الضرر. فالاختراق يُعدّ ضربة أمنية موجعة، ربما الأشدّ منذ سنوات، ما يستدعي مراجعة شاملة للوضع الأمني، وتحقيقًا داخليًا لمعرفة مكامن الخلل والمسؤول عن هذا الخرق الكبير”.
وأوضح قاسم أن “إسرائيل تميل، في مثل هذه الحالات، إلى تجنّب الاعتراف العلني بالهزيمة، لكنها بلا شك ستجري تحقيقات دقيقة وقد تشهد تغييرات في مفاصل استخبارية وأمنية لاحقًا. الأولوية الآن هي لاحتواء الصدمة وتقييم ما تسرّب من وثائق، سواء المتعلقة بالمفاعل النووي، أو شبكات العملاء، أو بالدعم الدولي الذي تلقته إسرائيل بعيدًا من الأطر القانونية”. وأشار إلى أنه “من غير المرجّح أن تُقدم إسرائيل على ردّ فوري أو علني، طالما لم تتضح بعد أبعاد الخسارة الكاملة. لكنها قد تلجأ إلى خطوات غير مباشرة، مثل عمليات سيبرانية أو ضغوط دبلوماسية لخفض تداعيات الفضيحة. أما الرد العسكري المباشر، فمستبعد في هذه المرحلة، نظرًا لحساسية الظرف، وفقدان عنصر المفاجأة بعد انكشاف منشآت حساسة جزئيًا أمام طهران”.
ورأى قاسم أن “التوتر القائم أصلًا بين إيران وإسرائيل مرشح للتصاعد، خصوصًا بعد هذا التطور الذي يُعد تصعيدًا كبيرًا في الحرب الاستخباراتية بين الطرفين. وقد تبقى المنطقة في حالة تأهب دائم، في ظل احتمال اتساع نطاق المواجهة غير التقليدية بينهما”.
وعن تأثير هذه الخطوة على الاستقرار الإقليمي، قال قاسم: “حتى الآن، لا يبدو أن هناك تداعيات عسكرية مباشرة، خاصة في ظل استمرار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. العامل الحاسم في منع التصعيد يبقى الموقف الأميركي، إذ يستبعد أن تقدم إسرائيل على أي عمل عسكري كبير ضد إيران من دون ضوء أخضر من واشنطن. لذلك، ما دامت المحادثات مستمرة، فإن فرص اندلاع مواجهة مفتوحة تبقى محدودة، وإن كانت التوترات السياسية والأمنية مرشّحة للتصاعد خلف الكواليس أو عبر أدوات غير تقليدية”.