شقرا قرية من قرى جبل عامل في محافظة النبطية في قضاء بنت جبيل. هناك من يُرِدّ تسميتها إلى فرسان شقر كانوا فيها، فيما تقول رواية أخرى إنّ التسمية أتت على خلفية الدبس الأشقر الذي كانت تنتجه البلدة.
تبعد شقرا عن بيروت 110 كلم، مساحتها الجغرافية 14 كلم مربّع، يحدّها حولا وجزء من ميس الجبل شرقاً، ميس الجبل ومحَيْبيب جنوباً، برعشيت وتبنين غرباً ومجدل سلم وصفد البطيخ شمالاً.
في الجهة الشرقية من البلدة، تقع قلعة دوبيه الأثرية التي بناها الصليبيون على أنقاضٍ رومانية، ومقابل القلعة حصن أثري لحمايتها من الغزوات.
ذاع صيت شقرا بعلمائها، ومنهم المرجع الكبير السيد محسن الأمين الذي ألّف العديد من الكتب، ومن القصص المشهورة لدى أهل جبل عامل والشيعة بشكل عام، أنّه أدّى صلاة الإستسقاء في سهل الخان بالقرب من تبنين خلال فترة الجفاف والقحط، فأمطرت بغزارة بعدما كانت السماء صافية.
عاصرت شقرا على مرّ التاريخ حروباً كثيرة، خلال الحكم العثماني والإحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولجزء كبير من المناطق اللبنانية منها القرى السبع، حيث تعرّضت للإعتداءات والقصف الهمجي، كونها من القرى المحاذية للشريط الحدودي آنذاك، فاستشهد العديد من أبنائها، وسافر آخرون إلى دول الخليج، وهاجر قسم منهم إلى بلاد الإغتراب، ولا سيّما إلى افريقيا والولايات المتّحدة الاميركية.
وذكّر رئيس البلدية الحاج إسماعيل علي الزين بتاريخ شقرا المقاوم، “فهي التي قاومت الإحتلال الإسرائيلي بكل بسالة سنة 1982، وسقط لها أول شهيدين هما السيد عبد اللطيف الأمين ومحمد خليل حبّ الله، بعد اغتيالهما على يد العدوّ وعملائه، قبل أن تنطلق المقاومة في شقرا ويسقط أول شهيد لها أمثل حكيم”.
ولفت إلى أنّه “من الـ 1982 حتى التحرير في سنة 2000 قدّمت شقرا نحو 30 شهيداً . كذلك الأمر في سنة 1993 حيث كانت رائدة في الدفاع عن الوطن، وفي 1996 قدّمت شهيدين، لتشكّل في الـ 2000 بوابة العبور الثانية إلى داخل الشريط الحدودي المحتلّ”. وفي العام 2006، كان لشقرا شرف مقاومة العدوان وتقديم شهيدين.
وتابع: “كما كان لشقرا دور كبير في صدّ الهجمات التكفيرية التي طاولت لبنان في البقاع والشمال حيث شارك أبناؤها في الدفاع عن لبنان في الجرود والمناطق التي كانت تدخل منها العصابات التكفيرية وكذلك سقط لها عدد من الشهداء في هذه المعارك. ومع معركة طوفان الأقصى وحرب الشهرين على لبنان والتي استخدم فيها العدوّ الاسرائيلي جميع وسائل الإبادة بكلّ ما للكلمة من معنى، تمّ تهجير كل أهالي شقرا وظلّ فيها المقاومون الذين لم يبخلوا بتقديم دمائهم أينما حلّوا، إذ قدّمت البلدة منذ معركة طوفان الأقصى حتى عدوان أيلول أكبر عدد من الشهداء بلغ 84 شهيداً، دفاعاً عن الوطن .
وجزم رئيس البلدية بـ”أنّ الإعتداءات والإحتلالات التي تعرّضت لها البلدة على مرّ الزمان، لم تجعل أبناءها يتهاونون أو يتنازلون عن حقّهم بالمقاومة والدفاع عن أرضهم ضدّ المحتلّ، والذي تنصّ عليه القوانين وأنظمة الأمم المتّحدة وحقوق الإنسان، فكيف إذا كان هذا المحتلّ لا شرعية أساساً له بسبب احتلاله أرض فلسطين”؟ ووصف اسرائيل بـ”العدوّ المتغطرس الذي لا يعرف أبداً معنى الإنسانية والرحمة، فلغة القتل عنده لغة سهلة جداً، ولكن أبناء شقرا، شأنهم شأن أبناء جبل عامل، يرفعون منذ 1400 سنة شعار “وإذا لم يكن من الموت بدُّ فمن العارِ أن تموت جباناً “.
شقرا تعتبر بلدة منكوبة، وقد عمّها الخراب بفِعل العدوان الذي ألحق أضراراً بـ 2200 وحدة سكنية ودمّر 500 وحدة سكنية اخرى، ومسجداً تراثياً قديماً في الساحة العامة وحسينية الرجال ومستوصف الإمام الصدر والسوق التجاري في البلدة بشكل شبه كامل. كما أصيبت القلعة بأضرار جسيمة، وشبكة المولّدات التابعة للبلدية، كما تسببت الغارات بقطع طريق شقرا ـ ميس الجبل وطريق حولا ـ شقرا وطريق شقرا ـ وادي نحل .
بلدية شقرا لم تترك أبناءها، على ما أكّد رئيسها، “فخلال الحرب تمكّنت وبمساعدة بعض الخيّرين من أبناء البلدة من تأمين الكثير من الخدمات المتواضعة، بغياب أي دعم رسمي، ما خلا تقديم بعض الحصص الغذائية ومواد التنظيف وما شابه”.
وبعد العودة، عملت البلدية مع الأهالي وأصحاب الآليات والمعدّات على رفع جثامين الشهداء من تحت الأنقاض وعلى تنظيف الشوارع والطرقات العامة ورفع النفايات المنزلية لإزالة آثار العدوان. كما أنارت الشوارع الداخلية بالطاقة الشمسية بعد مدّ شبكة المولدات وتوزيع المياه.
وسجّل الزين عتباً على الدولة “الغائب الأكبر عن البلدة”، إلا أنّه أوضح أنّ مجلس الجنوب سارع منذ الأيام الأولى إلى الكشف على المنازل المهدمة وكذلك جمعية جهاد البناء التي باشرت بالكشف والمسح ودفع التعويضات، لكن خدمات الدولة معدومة، فلا كهرباء، وتيار المؤسسة وصل إلى مخرج شقرا ـ برعشيت فقط من دون أن يصل إلى البلدة، بحجّة أنّ العدوّ يُخضعها لحصاره، في وقت يعلم فيه الجميع بأنّ شقرا عامرة بأهلها، إذ يسكن فيها حتى الآن 1800 عائلة عائدة.
وبعد جهد جهيد قامت مصلحة المياه بإصلاح العطل الأساسي الذي تسبّبت به الغارات على مدخل شقرا حولا، إلا أنّنا لم نتمكّن لغاية الآن من تشغيل البئر الارتوازي (بئر أبو حاتم ) في وادي السكيكة بين شقرا وحولا نتيجة القصف المستمرّ.
وذكر الزين أنّ شقرا تستفيد من مشروع الطيبة الذي يغذّي كلّ المنطقة لكن، ويا للأسف، الدولة عاجزة عن إصلاحه بحجّة أنّ التمويل غير متوافر، علماً أنّه مركز حيوي ومهمّ جداً لكامل منطقة قضاء بنت جبيل ومنطقة مرجعيون وأعتقد أن الكلفة لا تتعدّى مليون دولار ونصف في وقت تموّل فيه مرافق ومشاريع غير ذي جدوى، بينما المياه هي عصب الحياة، والبلدة مُنيت بنكسة اقتصادية كبرى تمثّلت بنهب أموال مغتربيها من قبل المصارف، من دون رقيب أو حسيب.
وتمنّى رئيس البلدية أخيراً “أن تكون أولى أولويات رئيس الجمهورية والحكومة الجديدة، الإلتفات إلى شعب الجنوب المهمل على مدار التاريخ، فهذا الشعب الذي قدّم الشهداء دفاعاً عن الوطن يستحقّ من الدولة تكريمه، أو الإلتفات اليه والإهتمام باحتياجاته”.