قد يعتقد البعض ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يتحرك اليوم من موقع قوة. يضع تشكيلته الحكومية على الطاولة في بعبدا. يترك البلد لتمضية عطلة العيد مع العائلة ومن ثم يبدأ سلسلة زيارات خارجية لم تعرف خلفياتها بعد وما اذا كانت مرتبطة بحلحلة قضايا شخصية عالقة او بمسعى لاعادة وصل ما انقطع بينه وبين دول المنطقة ومن خلاله التمهيد لوضع حد للقطيعة العربية والدولية المفروضة على لبنان بعد انجاز عملية تشكيل حكومته التي لا تزال متعثرة. لكن حقيقة الامر ان ايا من الفرقاء السياسيين لا يتحرك من موقع قوة… فالكل في موقع الضعيف والمحاصر سواء من يتولون السلطة حاليا في بلد يتداعى على رؤوس الجميع ما يجعلهم اصحاب المسؤولية المباشرة لهذا الانهيار، او من كانوا جزءا من السلطة على مر السنوات الماضية فشاركوا في المحاصصات التي حولت البلد الى هيكل عظمي، واذا بهم اليوم يتنصلون من اي مسؤولية مصورين انفسهم معارضين شرسين في وقت لم تعد تنفع فيه المعارضة.
مع مرور الايام والاسابيع تضيق خيارات الحريري. صحيح انه يتحمل ورئيس الجمهورية المسؤولية المشتركة امام المجتمعين المحلي والخارجي لعدم تشكيل الحكومة، الا انه في نهاية المطاف يبقى الخاسر الاكبر من لعبة عض الاصابع المتواصلة باعتباره المستفيد الاول من العودة الى السراي الحكومي، وان كان على أنقاض وطن، وهو ما دفعه اصلا لفرض نفسه مرشحا وحيدا لتشكيل الحكومة حتى ولو اعتقد بوقتها ان زخم المبادرة الفرنسية كفيل وحده بتسهيل مهمته وبمساعدته على انجازها بأسرع وقت ممكن.
الا ان الرياح لم تجر مرة جديدة كما تشتهي سفن رئيس «المستقبل»… فتلاشت المبادرة كما الجهود الفرنسية مع مرور الوقت، وشكل دخول الاميركيين على الخط قبل تسليم الرئيس دونالد ترامب البيت الابيض لخلفه جو بايدن، عنصرا اساسيا اجهض كل مساعي التشكيل السابقة بعدما استخدمت واشنطن العقوبات لتعيق مرتين على التوالي ابصار الحكومة النور.
اليوم، يبدو الحريري اكثر من اي وقت مضى محاصرا. فلا هو قادر على اتمام عملية التشكيل وفرض التشكيلة التي صعد بها الى بعبدا مؤخرا «أمرا واقعا» طالما لم تقترن بتوقيع الرئاسة الاولى، ولا هو قادر على الرضوخ لكل الضغوط التي يتعرض لها لدفعه للاعتذار. فبحسب مصادر سياسية، قد يشكل اعتذار الحريري نهاية لمشواره السياسي، الا اذا كان مدروسا كفاية مع باقي الفرقاء بهدف شن هجمة عكسية على العهد فيعاد تكليف الحريري بشروطه بعد لي يد الثنائي عون- باسيل.
وتنبه المصادر ان سيناريو مماثل دونه عقبات كثيرة ابرزها ان حلفاء الحريري السابقين اي «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي» لم يعودا في صفه اصلا، اضف ان الاول لم يصوت له لاعادة تكليفه والثاني يدفعه حاليا للاعتذار وتسليم البلد لاخصامه السياسيين ليتحملوا وحيدين مسؤولية الانهيار. وتضيف المصادر لـ«الديار»: «أضف ان حزب الله الذي كان متحمسا لعودته الى رئاسة الحكومة قد لا يبقى كذلك، خاصة اذا سار بنصيحة عون وباسيل التخلي عنه، عندها يكون يخط بالعريض نهاية مسيرته السياسية المتعثرة».
ويخشى الحريري جره مجبرا بعد كل المد والجزر للسير بشروط رئيس «الوطني الحر» للتشكيل، وان كان لا يزال يراهن على وساطة ما سواء من البطريركية المارونية او الثنائي الشيعي تؤدي لتقليص خسارات الفريقين المتصارعين حكوميا.
ويدرك الرئيس المكلف ان الرئيس عون بات يتعاطى مع مسألة التأليف وفرض شروطه كمسألة حياة او موت، من منطلق انه سار مجبرا بالحريري رئيسا مكلفا خاضعا لاحكام الدستور واللعبة الديمقراطية، لكن لا شيء بالمقابل يجبره على السير بتشكيلة لا يرضاها وخاصة انها قد تدير شؤون البلاد حتى نهاية ولايته في العام 2022!
اذا لا الوضع الصحي الكارثي، ولا الوضع الاقتصادي – المالي الدراماتيكي او حتى الوضع الاجتماعي الذي اقترب اكثر من اي وقت مضى من الانفجار يشكل دافعا للمعنيين المباشرين بعملية التأليف لتقديم تنازلات تفرج عن حكومة من المفترض ان يكون شغلها الشاغل التخفيف من وقع الانهيارات المتواصلة… كان الله بعون لبنان واللبنانيين…