كتبت “النهار”: مع انضمام لبنان الى الدول العربية والإسلامية التي بدأ فيها اليوم شهر رمضان، لم تختلف الانطباعات والوقائع المتصلة بمصير المواجهات الحربية الشرسة الجارية على حدوده الجنوبية مع “إسرائيل”، عن تلك المتصلة بحرب غزة ولو بالتفاوت الكبير الذي لا يزال قائما بين الحربين وحجم الخسائر البشرية والمادية الذي خلفته كل منهما. ذلك ان المعطيات الماثلة لدى مختلف الجهات المعنية برصد المشهد الحربي والتحركات الديبلوماسية التي لا تنقطع سعيا الى إحلال هدنة في غزة ولو بعد بدء شهر رمضان اليوم، تميل الى منتهى التشاؤم في إمكانات تحقيق اختراق سلمي بالوسائل الديبلوماسية لتبريد جبهة غزة ومن ثم تلقائيا جبهة الجنوب اللبناني بعدما عكست تحركات الأيام الأخيرة اخفاق الجهود الديبلوماسية في إحلال “هدنة رمضان” التي يبدو ان بلوغها صار اشد تعقيدا من قبل، وتاليا فان واقع النزف المتواصل الذي يشهده الجنوب اللبناني يبدو مرشحا للاستمرار طويلا. حتى ان احد المعنيين تخوف من ان يشكل هذا الإخفاق الديبلوماسي محفزا محرضا لـ”إسرائيل” على مزيد من الإجراءات التفريغية لغزة من جهة وتوسيع رقعة الدمار والشلل في مناطق المواجهة في جنوب لبنان، وهو امر لم يعد يحتاج الى اجتهادات وتقديرات ما دامت “إسرائيل” ماضية بلا هوادة الى اعتماد التصعيد المتدحرج، وكان من آخر مآثرها في جنوب لبنان ارتكاب مجزرة جديدة في خربة سلم أودت بأربعة أفراد من عائلة واحدة وتسببت بجروح محتلفة لتسعة مواطنين اخرين.
ولعل ما كان لافتا في تداعيات المواجهات الجارية في الجنوب الكشف السبت الماضي عن مهمة قام بها في بيروت نائب مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون الارهاب والجرائم المالية في آسيا والشرق الأوسط جيسي بايكر حيث التقى مسؤولين ماليين لبنانيين يومي الخميس والجمعة الماضيين، وحضّهم على اتّخاذ إجراءات صارمة ضدّ شركات ماليّة غير قانونيّة تحوّل الأموال الى حركة “حماس”. واثار الكشف عن الخبر استغرابا واسعا لجهة تكتم السلطة اللبنانية وإخفاء خبر مهمة المسؤول الأميركي رغم الدلالات السلبية لاي تستر على هذا التطور.
وكان مسؤول في الخزانة الأميركية، طلب عدم الكشف عن هويته، كشف ان بايكر عبّر في لقاءاته عن مخاوف محدّدة لدى الإدارة الأميركية بشأن “حركة أموال حماس عبر لبنان، وأموال حزب الله القادمة من إيران إلى لبنان ثم إلى مناطق إقليمية أخرى”، داعياً إلى “إجراءات استباقية” لمكافحتها. وقال المسؤول إن “الجماعات تحتاج إلى تدفق الأموال لدفع رواتب مقاتليها والقيام بعمليات عسكرية ولا يمكنها تحقيق أهدافها بطريقة أخرى”. وذكر أن “امتثال لبنان للمعايير العالمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، هو ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات من الولايات المتحدة وباقي دول العالم وإخراج البلاد من أزمتها التي طال أمدها”. وأضاف أنّ بايكر “طالب لبنان باتخاذ إجراءات صارمة ضد القطاع الكبير من شركات الخدمات المالية غير المشروعة التي ازدهرت مع انهيار النظام المصرفي الرسمي في البلاد على مدى أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية، بما في ذلك الصرافة غير القانونيّة وعمليات تحويل الأموال غير المرخصة”.