لم يلحق لبنان حتى الساعة بركب السلام الموعود في الشرق الأوسط الذي يعد به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي لا يزال يفرض الشروط «الأميركية – الإسرائيلية» عليه لتحقيق ذلك. ورغم اتخاذه قرار «رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية»، أو ما يُعرف بـ «قانون قيصر» أخيرا، لا يزال وضع لبنان بالنسبة لما وعدت به السفيرة الأميركية السابقة دوروثي شيا، منذ أيلول 2021، لاستجرار الغاز من مصر والطاقة من الأردن عبر سورية،على حاله. وإذ حصلت سورية أخيرا على 7 مليارات دولار للبدء بإعادة الإعمار، واستضافت مؤتمرا ضمّ شركات عربية وأجنبية لتقديم خطط ومشاريع البناء والإعمار، لا سيما بعد وعود أحمد الشرع لترامب بالتطبيع مع «إسرائيل»، لا يزال لبنان يتفاوض مع «صندوق النقد الدولي»، للحصول على 250 مليون دولار فقط كمرحلة أولى لإعادة الإعمار.
هذا وتعود نائبة المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس الى المنطقة الاثنين المقبل، بعد شهرين على زيارتها الثانية الى لبنان (في 5 نيسان الماضي) برفقة رجل الأعمال توم باراك، فتحّط في «تلّ أبيب»، على ما أفادت المعلومات، لتنتقل بعدها الى لبنان، على ما هو متوقّع، لحضور اجتماع لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار الذي يُعقد الأربعاء في الناقورة. وعُلم أنّ العدو سيؤكّد في هذا الاجتماع، على استمرار انتشار قوّاته ونشاطه في لبنان الى أجلٍ غير محدّد. في الوقت الذي يطالب فيه لبنان من واشنطن، بالضغط على «إسرائيل» لتنفيذ الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة ومن التلال الخمس تنفيذا لاتفاق وقف النار وللقرار 1701، مشيراً الى آلاف الخروقات «الإسرائيلية» المستمرة للقرارات ذات الصلة.
وفي ما يتعلّق بما سوف تتمّ مناقشته خلال زيارة أورتاغوس المرتقبة، تقول أوساط ديبلوماسية، إنّ مواقف الموفدة الأميركية قد سبقتها. فهي لا تأتي في ظلّ تكتّم في المواقف الأميركية، بل على العكس، فقد عبّر عنها ترامب خلال جولته الأخيرة الى الدول الخليجية، عندما تناول الملف اللبناني. كما أنّ أورتاغوس نفسها عبّرت عن مواقف إداراتها من واشنطن ومن بعض الدول العربية، قبل وصولها الى لبنان، لكي تُعطي المسؤولين الوقت الكافي للردّ على تساؤلاتها.
فمن الدوحة (في 20 أيّار المنصرم) قالت إنّه «لا يزال أمام لبنان الكثير ليفعله لنزع سلاح حزب الله»، مشدّدة على أنّ بلادها «دعت الى نزع السلاح الكامل لحزب الله»، وأنّ «هذا لا يعني جنوب الليطاني فقط، بل في أنحاء البلاد كافة»، داعية القيادة اللبنانية إلى «اتخاذ قرارفي هذا الشأن». كما دعت الخليجيين الى عدم الذهاب الى لبنان قبل نزع السلاح. ولم تتحدّث في المقابل، عن عدم التزام «إسرائيل» باتفاق وقف النار وخرقها القرار 1701، في ظلّ استمرارها للاعتداءات «الإسرائيلية» على لبنان، وبقاء احتلال قوّاتها للتلال الحدودية وللأراضي اللبنانية. ولن تتحدّث عن هذه الأمور خلال محادثاتها مع المسؤولين اللبنانيين، بل ستُعيد التأكيد على المواقف الأميركية نفسها، وعن «وجود فرصة أمام لبنان وعليه عدم تفويتها». مع العلم بأنّ واشنطن تُقدّر ما يقوم به رئيس الجمهورية جوزاف عون في هذا السياق، لا سيما بدء الحوار مع حزب الله على موضوع السلاح، وإن لم يتم الإتفاق على أي جدول زمني للتنفيذ، حتى الساعة. كما محادثاته الأخيرة مع الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس خلال زيارته الى لبنان، والتي ناقشت مسألة سحب سلاح المخيّمات الفلسطينية، والتي سيبدأ تطبيقها خلال حزيران الجاري.
وعن كلام أورتاغوس بأنّه «لا ضرورة لاتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي»، في إشارة الى أنّه يمتلك الكثير من الموارد التي تجعله بغنى عن قروض الصندوق، فقد أتت تفسيرات عديدة من الداخل عليه، على ما تلفت الأوساط، فمنهم من وجد فيه أنّ «لبنان لا يحتاج فعلا الى الـ 3 مليارات دولار من الصندوق التي لا تساعده كثيرا في مسألة إعادة الإعمار لا سيما إذا ما استأنف مجدّدا عملية التنقيب عن الغاز واستخراجه من بلوكاته البحرية». ومنهم من يرى أنّ «اتفاق لبنان مع الصندوق، وإن كان بقروض غير كافية، هو أمر ضروري جدّا له لأنّه يُعطيه «سمعة جيّدة»، ويعيد ثقة المجتمع الدولي به، مع إمكان عودة الصناديق الأخرى والاستثمارات اليه، لا سيما بعد أن توقّف عن دفع الديون في وقت سابق، ما جعل هذه الثقة تتراجع كثيرا.
وتتوقّع الأوساط الديبلوماسية أن تتمّ مناقشة مسألة التجديد لليونيفيل خلال محادثات أورتاغوس مع المسؤولين اللبنانيين، سيما أنّ «إسرائيل» تُطالب بإنهاء مهام «اليونيفيل» في جنوب لبنان. وقد حاولت مرّات سابقة عديدة توسيع مهامها لتشمل التفتيش في أماكن تابعة لحزب الله، ولم تُفلح. وها هي تُحاول اليوم من خلال اللوبي التابع لها في الأمم المتحدة لتعديل مهامها، وسط سعي الديبلوماسية اللبنانية الى تمرير التجديد من دون أي تعديلات جذرية على مهامها. فضلا عن التأكيد من قبل لبنان الرسمي و “اليونيفيل» نفسها أنّ هذه القوّات باقية في لبنان، ولا يمكن إنهاء عملها، أو تعديل مهامها، على ما تريد «إسرائيل»، إلّا بعد الإنسحاب «الإسرائيلي» من التلال الخمس والأراضي المحتلّة، وانتشار الجيش اللبناني، بعد تسليحه بالأسلحة اللازمة، كونه يرفض أن تكون السيطرة العسكرية على الحدود بيد «إسرائيل». فمثل هذا الأمر لا علاقة له بالسلام الذي تريده واشنطن للبنان والمنطقة، لا بل بالعكس من شأنه أن يُعيد قرع طبول الحرب على الحدود اللبنانية.
كما ستتطرّق الموفدة الأميركية الى موضوع بدء مفاوضات تثبيت أو ترسيم الحدود البريّة بين لبنان و “إسرائيل»، على ما تقول الأوساط، وستقوم بجولة حدودية تشمل لبنان وسورية للاطلاع عن كثب على ما يجري على الأرض. أمّا موقف لبنان، فهو التأكيد على أنّه لا يمكن البدء بمفاوضات الحدود في ظلّ استمرار الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي اللبنانية وعدم وقف الاعتداءات المتواصلة عليه. كما أنّ لبنان يتمسّك بالعودة الى حدوده النهائية وفق اتفاقية الهدنة (1949)، كما بمبادرة السلام العربية وحلّ الدولتين قبل الحديث عن «أي تطبيع مع «إسرائيل». ويبدو أنّ لبنان سيكون في موقف صعب، كون واشنطن لا تضغط على «إسرائيل» لتنفيذ انسحابها من لبنان، بل تطالبه بالقيام بالمزيد من الإجراءات مقابل «صفر» التزام من الجانب «الإسرائيلي» باتفاق وقف النار، وبأي بند من بنود القرارات الدولية ذات الصلة.
وبالطبع فإنّ أورتاغوس ستُجدّد وعود بلادها للبنان، لا سيما «السماح» بعودة الاستثمارات الأجنبية والعربية الى بلوكات لبنان البحرية، ولا سيما الى البلوك 8 إذ سوف ترفع واشنطن الضغط عن «كونسورتيوم الشركات»، لتعود «توتال» وتبدأ بالمسح الزلزالي له، مقابل بدء العدو «الإسرائيلي» للأعمال في الجهة المقابلة للبلوك 8. غير أنّ عملية بدء المسح، ومن ثمّ اتخاذ قرار حفر بئر فيه، تستغرق ثلاث سنوات. الأمر الذي لا يمكن أن ينهض بلبنان خلال هذه الفترة. فهل سيُطالب لبنان أورتاغوس بالمزيد من الوقت لاستكمال الإجراءات، أم بالضغط مع بعض الدول العربية التي زارها الرئيس عون مثل السعودية ومصر والأردن والإمارات والكويت، على «إسرائيل» للانسحاب فوراا من الأراضي اللبنانية، لكي يتمكّن الجيش اللبناني من بسط سيطرته على كامل أراضيه، ومن ثمّ يبدأ لبنان بإعادة الإعمار، وباستئناف العمل في التنقيب عن الغاز والنفط في بلوكاته البحرية؟!