في ظل تعثر الجهود الدولية لإخراج الملف الرئاسي اللبناني العالق من عنق الزجاجة منذ عام ونصف العام، تلجأ القوى السياسية اللبنانية بين الحين والآخر إلى اجتراح اقتراحات لحل الأزمة، وإن كان قسم لا بأس به منها يندرج حصراً في إطار “زكزكة” الخصوم.
آخر هذه الطروحات ما عرضه المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، على المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ألا وهو انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. ووفق معلومات “الشرق الأوسط”، لا يمانع فرنجية أن تجرى انتخابات كهذه على دورتين، ويعدّ أنه قادر على تأمين نصاب مسيحي، وكذلك نصاب وطني.
ويعدّ عضو تكتل لبنان القوي، النائب آلان عون، أن “فكرة إجراء الانتخابات مباشرة من الشعب هي عملياً اقتراح يجعل إجراء الاستحقاق تلقائياً، ويجنّبه التأخير أو التعطيل كما يحصل اليوم جراء عدم توفّر أكثرية للانتخاب وعدم توفّر توافق لتأمين تلك الأكثرية”، منبهاً إلى أن “لهذا الخيار محاذير في ظلّ النظام السياسي الطائفي اللبناني، الذي يقوم على توازن دقيق جداً بين الطوائف ومواقعها في النظام وصلاحياتها، ولذلك هو يتطلّب ليس فقط تعديلاً دستورياً؛ بل ضوابط كثيرة لعدم الإخلال بهذا التوازن، منها على سبيل المثال إجراؤه على دورتين؛ الأولى على المستوى الطائفي، والثانية على المستوى الوطني”.
ويشير عون في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إلى أن “الانتقال إلى هذا التغيير الجذري في الانتخابات الرئاسية يتطلّب توافقاً وطنياً لإجراء التعديل الدستوري، وهو غير متوفّر، أو الانتقال إلى نظام سياسي مع إلغاء الطائفية، وهو أمر مستحيل في المدى المنظور”.
من جهتها، تعدّ عضو تكتل “الجمهورية القوية”، النائب غادة أيوب، أن “من يطرح مسألة الانتخابات الرئاسية مباشرة من الشعب، يريد أن يحرف الأنظار عن التعطيل المتعمد والمكشوف الذي يمارسه فريق الممانعة”، مشددة على أن “هذا الطرح يحتاج إلى تعديل دستوري، مما يفتح الباب أمام نقاش يبدأ ولا ينتهي في ظل دستور لم يطبق بشقه السيادي الأساسي”. وتضيف أيوب لـ”الشرق الأوسط”: “فتح هذا الباب يترافق مع طروحات عدة في هذا المجال؛ من التأهيل المسيحي والتصويت الوطني، إلى الديمقراطية العددية، إلى نقاشات أخرى لا تنتهي”.
أما عضو “اللقاء الديمقراطي”، النائب بلال عبد الله، فيوضح أن “أي تعديل لـ(دستور الطائف) في موضوع الرئاسة أو غير الرئاسة، يتطلب وفاقاً وطنياً ووجود حالة من الاستقرار للنقاش فيه، على أن يكون من خلال رزمة إصلاحات لـ(اتفاق الطائف)، مرتبطة بكل السلطة السياسية وليس فقط برئاسة الجمهورية”، عادّاً في تصريح لـ”الشرق الأوسط” أنه “في الوقت الحاضر، ربما يكون الوقت غير مناسب لطرح كهذا، مع إقرارنا بأهمية أن ينتخب رئيس من الشعب بوصفه خياراً ديمقراطياً ممتازاً”.
بدوره، يؤكد النائب في تكتل “الاعتدال الوطني”، أحمد الخير، التمسك بـ”(دستور الطائف) الذي حدد آليات لانتخاب رئيس الجمهورية”، قائلاً: “نحن لا نؤيد بالطبع أي طرح من شأنه القفز على (دستور الطائف) لخلق أعراف جديدة في الاستحقاقات الوطنية، لذا قدمنا (كتكتل) مبادرة لبنانية للحل، تحت سقف (دستور الطائف)، تبدأ بالتشاور لفترة محددة، ومن ثم جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس”.
ويضيف الخير لـ”الشرق الأوسط”: “نحن اليوم أمام استحقاق انتخاب رئيس جمهورية لكل اللبنانيين، وليس انتخاب رئيس جمهورية للمسيحيين فقط، والأجدر بالجميع اليوم العودة إلى (دستور الطائف) ونصه وروحيته، بدل التلهي بطروحات غير واقعية، والاقتناع بأنه في ظل الاستعصاء الحاصل بفعل التوازنات النيابية، لا حل إلا بالحوار والتشاور”.
دستورياً؛ يشرح الخبير الدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك أن “مقدمة الدستور تنص صراحة على أن الشعب هو مصدر السلطات؛ لكنها أضافت أنه يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، وبالتالي، صحيح أن للشعب سلطة القرار، ولكن ليس بشكل مباشر في إطار نظام انتخابي مباشر، إنما بواسطة المؤسسات الدستورية ومنها مجلس النواب”.