ردّ مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية كاظم غريب آبادي، على الاتهامات الأخيرة التي وردت في تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران، مؤكداً أن إيران لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي ولا تمتلك أي مواد أو أنشطة نووية غير معلنة.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن غريب آبادي أوضح أن المدير العام استند في إعداده لهذا التقرير إلى قرار مجلس المحافظين الصادر في نوفمبر 2024، وهو قرار تم تمريره من قبل ثلاث دول أوروبية وأمريكا بشكل سياسي وبدون توافق جماعي، رغم نتائج زيارة المدير العام الأخيرة إلى إيران، وهو ما لم يتم التطرق إليه في التقرير.
وفي مذكرة تعليقاً على تقرير الوكالة أشار غريب آبادي إلى أن التقرير بأكمله يتعلق بكميات صغيرة من المواد النووية يُزعم أنها وُجدت في أربعة مواقع تعود إلى أكثر من عقدين، اعتماداً على معلومات مزوّرة قدمها الكيان الصهيوني. كما بيّن أن التقرير لم يشر إلى أي نشاط نووي حالي مريب أو انحراف في استخدام المواد النووية.
وذكر غريب آبادي أن مزاعم الماضي أُغلقت بقرار صادر في نوفمبر 2015 بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، وبالتالي فإن إعادة فتح هذه القضايا يعد خرقاً واضحاً لذلك القرار. وأوضح أن وكالة الطاقة الذرية نفسها أقرت في تقريرها بأن اثنين من المواقع الأربعة محل النقاش، وهما “لويزان – شيان” و”مريوان” المزعومة، لم تعد تُعتبر قضايا عالقة. ومع ذلك، عمدت الوكالة إلى إبراز هذين الموقعين مجددًا، في محاولة لإعادة تدوير مزاعم قديمة لم تُثبت قط، وتقديمها في صورة ملف ثقيل بغرض استغلالها سياسيًا ضد إيران.
وفيما يتعلق بالموقعين الآخرين، وهما “ورامين” و”تورقوزآباد”، شدد غريب آبادي على أن إيران قدّمت بالفعل التوضيحات اللازمة مصحوبة بالوثائق، وذلك خلال زيارتين قام بهما نائب مدير قسم الضمانات في الوكالة إلى طهران. وأكد أن جميع الأنشطة النووية والمواد ذات الصلة داخل إيران تخضع لرقابة وتحقق مباشر من الوكالة، ولم يتم تسجيل أي انحراف في استخدامها.
ورأى أن التركيز المبالغ فيه على مزاعم عمرها أكثر من عشرين عامًا، رغم انعدام الأدلة، لا يهدف سوى إلى خلق “قلق مصطنع”، في وقت يغضّ فيه المجتمع الدولي الطرف عن امتلاك الكيان الصهيوني لأسلحة نووية ورفضه الانضمام إلى معاهدات حظر الانتشار، وسط صمت الوكالة وعجز الدول الغربية عن اتخاذ أي موقف.
وانتقد غريب آبادي التناقض الواضح في تقرير الوكالة، حيث تدّعي أن “ثلاثة من المواقع تعود إلى برنامج نووي منظم غير معلن في أوائل الألفية، استخدمت فيه مواد نووية غير مصرح بها”، لكنها تعود وتؤكد في ذات التقرير أنه “لا توجد أية مؤشرات على وجود برنامج نووي غير معلن حاليًا في إيران”، وأنها تأخذ بعين الاعتبار التصريحات الرسمية الصادرة عن كبار المسؤولين الإيرانيين حول حرمة السلاح النووي من المنظور الإسلامي.
واعتبر أن هذا التناقض يبيّن كيف تحوّلت الوكالة إلى أداة بيد بعض القوى السياسية، تُستغل لإعادة فتح ملفات قديمة مغلقة بهدف ممارسة ضغوط جديدة على إيران.
وأشار غريب آبادي إلى أنه هناك نقطة أخرى تتعلق بتناول التقرير لموضوع لا يرتبط بالمهمة الموكلة إليه، وهو موضوع تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%. وقد ورد في التقرير: “رغم أن أنشطة التخصيب الخاضعة للضمانات ليست محظورة في حد ذاتها، إلا أن كون إيران الدولة الوحيدة غير الحائزة على سلاح نووي في العالم التي تقوم بإنتاج وتخزين يورانيوم مخصب حتى نسبة 60%، لا يزال يثير قلقاً بالغاً، وقد جذب اهتمام المجتمع الدولي نظراً للتداعيات المحتملة على انتشار الأسلحة النووية”. وفي هذا الصدد، يجب التأكيد على أنه ما دامت الأنشطة النووية للدول تقع تحت إشراف الوكالة، فلا يوجد أي داعٍ للقلق. كما أنه لا توجد أية قيود على مستوى التخصيب في وثائق الوكالة، والقيد الوحيد هو عدم انحراف هذا النشاط نحو أهداف غير سلمية.
خامساً، موضوع غير ذي صلة آخر أشار إليه السيد غروسي في تقريره يتعلق بالبند التعديلي 3.1. في هذا الصدد، يجب الإقرار بأنه بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وعدم وفاء الدول الأوروبية الثلاث بالتزاماتها بموجب هذا الاتفاق، أوقفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تنفيذًا لقانون “الإجراء الاستراتيجي لرفع العقوبات” الصادر عن مجلس الشورى الإسلامي، التزاماتها النووية الطوعية خارج نطاق اتفاق الضمانات. البند 3.1، الذي يتعلق بالإبلاغ المبكر عن المنشآت النووية، لا يُعد التزامًا ضمن اتفاق الضمانات، وتكرار الوكالة لهذا البند بوصفه التزامًا لا يضفي عليه أي شرعية.
سادساً، جاء في التقرير أيضاً ادعاء مفاده أن “إيران، خلال السنوات الماضية، أقدمت على سحب تعيين عدد من المفتشين ذوي الخبرة بطريقة أضعفت قدرة الوكالة على تنفيذ مهام الضمانات بشكل فعال وكفء”. ويجب التذكير هنا أنه، وفقًا لتقرير الوكالة بشأن تنفيذ الضمانات لعام 2024، فقد كان يعمل حتى 31 ديسمبر 2024 ما مجموعه 274 مفتشًا في الأقسام العملياتية ومكتب التحقق الخاص بإيران، من بينهم 120 مفتشًا يعملون في هذا المكتب تحديداً.
إن قيام إيران، بعد الخطوة السياسية للدول الأوروبية الثلاث في مجلس المحافظين، بسحب تعيين بعض المفتشين من مواطني هذه الدول، لا ينبغي أن يُفسَّر على أنه تقويض لقدرة الوكالة. من الطبيعي ألا تتمكن إيران من الوثوق التام بمفتشين يحملون جنسية دول اتخذت خطوات سياسية ضدها، وإلغاء تعيين المفتشين هو حق سيادي يكفله اتفاق الضمانات لإيران. من المؤسف فعلاً أن السيد غروسي يتجاهل عمل 120 مفتشًا من جنسيات متعددة في إيران، ويختزل قدرة الوكالة في عدد محدود من المفتشين التابعين للدول الأوروبية الثلاث!
سابعاً، كل ما ذُكر أعلاه يأتي في وقت ورد فيه في ذات التقرير أن “إيران لا تزال تتعاون مع الوكالة في ما يخص القضايا المرتبطة بالتنفيذ الروتيني للضمانات، وأن الوكالة تقوم بجهود واسعة للتحقق داخل إيران بما يتناسب مع دورة الوقود النووي وأنشطتها”. كما جاء في تقرير تنفيذ الضمانات لعام 2024 أن “الأمانة العامة للوكالة توصلت، بناءً على تقييمها، إلى أن المواد النووية المعلن عنها في 31 دولة، من بينها إيران، لا تزال تُستخدم في أنشطة سلمية”.
ويحتوي تقرير تنفيذ الضمانات لعام 2024 على نقاط أخرى مهمة، منها أنه من بين 32 دولة لديها اتفاقية ضمانات دون بروتوكول إضافي ملزم، والتي تشمل إيران، توجد 21 منشأة من أصل 100 منشأة خاضعة للضمانات داخل إيران. ومن بين 682 عملية تفتيش في هذه المجموعة من الدول، جرت 493 عملية تفتيش داخل إيران فقط. ومن أصل 224 عملية تحقق من معلومات التصميم، كانت 144 عملية منها تخص إيران فقط. كما أن من أصل 1895 “يوم عمل تفتيشي”، خُصص لإيران وحدها 1260 يومًا.
وقد أشار التقرير نفسه إلى أن 22 مليون و626 ألف يورو من أصل ميزانية الوكالة العادية البالغة 38 مليون و905 آلاف يورو، أُنفقت في إيران فقط خلال عام 2024. كذلك، من أصل 28 مليون يورو من الميزانية الإضافية أو التطوعية للوكالة، أُنفِق 4 ملايين و300 ألف يورو في إيران وحدها.
فما الذي يدل عليه هذا الحجم من أنشطة الوكالة في إيران؟ أليس دليلاً على التعاون الواسع والبنّاء لإيران مع الوكالة؟! إن تركيز الوكالة على قضايا قديمة أُغلقت مسبقًا، في ظل غياب أي انحراف أو مشكلة حالية تتعلق بالمواد أو الأنشطة النووية الإيرانية، لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تحركًا سياسيًا مدفوعًا من بعض الدول المعينة.
ثامناً، طوال عمر الوكالة، شهدنا مرارًا تحركات وتسييسًا في هذه المنظمة الدولية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الصمت المطبق من قبل الدول الغربية وأمريكا ومسؤولي الوكالة تجاه الكيان الصهيوني الإسرائيلي، الذي يُعد نموذجًا صارخًا لهذا التسييس. من جهة أخرى، شهدنا في السابق أنه في حالتين لدولتين عضوين في الوكالة ومعاهدة عدم الانتشار النووي كان لديهما أنشطة تخصيب غير مصرح بها، أُغلقت ملفاتهما في مجلس المحافظين دون أي إجراء يُذكر. فلماذا الآن تسعى الوكالة وبعض الدول المعينة إلى فتح ملف مصطنع ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال إحياء مزاعم قديمة وغير مثبتة، بل مغلقة أيضًا؟ الحكم في ذلك للرأي العام العالمي.
تاسعاً، وختاماً: إن إيران لا تسعى وراء السلاح النووي، ولا تمتلك أي مواد أو أنشطة نووية غير مُعلنة. لقد التزمت إيران بجميع تعهداتها حتى الآن. والثمن الذي دفعته كان من أجل الحفاظ على الكرامة والعزة والتقدم، والوقوف في وجه الغطرسة ومحاولات الهيمنة من قبل بعض الدول. وإذا ما قررت هذه الدول الاستمرار في استغلال صبر إيران وسلك نفس الطريق الخاطئ السابق، فإن إيران ستضطر، بما يتناسب مع الظروف والتطورات وإجراءات الأطراف الأخرى، إلى اتخاذ قرارات مناسبة وتنفيذها، وستكون هذه الدول هي المسؤولة عن تبعات وعواقب ذلك.