يضم مشروع القانون الجديد، الذي لم يطرح بعد على مجلس الوزراء بانتظار الموافقة عليه في لجنة الإصلاحات، 97 مادة، تخلص عملياً إلى نسف كل الأفكار الإصلاحية التي طرحت قبلاً. تلك المواد هي عبارة عن تجميعة مثالية لتسييب الصفقات العمومية، على حدّ قول أحد المعنيين. فبدلاً من زيادة عدد الجهات التي يفترض أن تخضع مناقصاتها لرقابة إدارة المناقصات، ذهب المشروع ليحرر حتى الجهات القليلة الخاضعة لها من سلطتها الرقابية، نازعاً منها أدواراًَ هي علّة وجودها.
من دفاتر الشروط تبدأ المشكلة. لا علاقة لإدارة المناقصات بوضع هذه الدفاتر ولا بوضع ملاحظاتها عليها. تلك صلاحية الجهة المتعاقدة، التي تضع أيضاً معايير التقييم والتلزيم (المادة 18)، وهي أيضاً التي تجري التأهيل المسبق للعارضين وتحدد إجراءاته (المادة 19). حتى لجان التلزيم التي كانت تشكّل وفقاً لآلية تفترض عرض الأسماء على التفتيش المركزي، تحررت من هذا الضابط وصارت من مسؤولية المرجع الصالح لتوقيع العقد (المادة 81)، أي الوزير في الإدارات العامة، ومجلس الإدارة في المؤسسات العامة والمجلس البلدي في البلديات والمجالس الإدارية في الهيئات… وهذه الجهات تعنى حتى بالخطوات الإجرائية، فتشير المادة 20 إلى أنها هي التي تحدد طريقة ومكان التأهيل وليس إدارة المناقصات، وهي أيضاً التي تتواصل مع العارضين (الفقرة الثانية من المادة 21)، أضف إلى أنها تقبل العرض الفائز وتعلن اسمه أيضاً (المادتان 23 و24)، فيما تحرر المادة 32 لجان الاستلام من أي ضوابط.
باختصار، سيكون الوزراء، الذين يتمتعون بالأساس بصلاحيات واسعة وتحوم حول استغلالهم لسلطاتهم شبهات عديدة، مكلّفين بإجراء المناقصات من ألفها إلى يائها، فيما لا يحقّ لإدارة المناقصات التدقيق ولا المراقبة.
لكن المناقصات ليست كل شيء. هنالك أيضاً استدراجات العروض وطلب اقتراح الخدمات الفكرية والاتفاق الرضائي وطلب عروض الأسعار، والمناقصة مع حوار مع العارضين، وهي كلها أبواب مشرّعة للفساد خصصت بها «الجهة الشارية» (المادة 45).
وصلت موسى المشروع إلى «دفاتر الشروط العامة». تلك مخصصة عادة للصفقات المتشابهة، فبدلاً من أن تقوم كل وزارة بإعداد دفتر شروط لشراء المفروشات على سبيل المثال، تضع الحكومة دفتر شروط عاماً لهذا النوع من الصفقات. على أهمية هذه الدفاتر في ضبط الإنفاق والهدر والمحسوبيات، وبدلاً من التشديد عليها، وخاصة أن آخر دفتر شروط عام أعدّته الحكومة كان في عام 1943، فإن المشروع المقدم لم يتطرّق إليها أبداً، كما حرّر الجهات المعنية من تحديد السعر التقديري للخدمات في حال تعذرّ عليها ذلك، من دون أن ينقل هذا الحق إلى إدارة المناقصات.
البرنامج السنوي للمناقصات تعدّه عادة إدارة المناقصات بعد التنسيق مع الوزارات. مجلس الوزراء هذه المرة سيكون مسؤولاً عن إعداد هذا البرنامج بمرسوم، لكن للمفارقة فإنه سيكون بلا لزوم، ببساطة لأن الوزارات يحقّ لها تعديل أوقات صفقاتها!
هل مشروع القانون هذا جدّي ويهدف حقاً إلى إصلاح أنظمة التعاقد الحكومي؟ يبدو ــــ بحسب ملاحظات أكثر من مصدر وزاري ــــ بعيداً عن تحقيق ذلك، وأقرب إلى «أداة للانتقام من إدارة المناقصات».