جنان جوان أبي راشد – خاص “المدى”
“السوق السوداء للدولار”، وما يعرف بالمتلاعبين بهذه السوق أو المضاربين باللغة الاقتصادية، على كل شفة ولسان.
لكن من الذي تسبّب بنشوء السوق السوداء؟ ومن هم المضاربون على الليرة وكيف يعملون ومع من يتعاونون؟
السوق السوداء هي السوق التي تتكّون من كل التعاملات التجارية التي يتم فيها تجنّب كل القوانين الضريبية والتشريعات التجارية. حجم السوق السوداء يزداد في المجتمعات التي يكون فيها فساد أكبر.
لماذا نشأت هذه السوق في لبنان؟ الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي يشير لـ “المدى” الى ان نشوء هذه السوق جاء بعدما بات البنك المركزي عاجزا عن تزويد السوق المحلية بكميات كافية من العملة الصعبة وفق السعر الذي يسعى لتثبيت سعر الصرف على اساسه.
وهاجم يشوعي بشدة سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة النقدية والمالية وعدم كشفه عن حقيقة ارقام الاحتياطي بالعملات الصعبة المتبقية في المصرف والتي هي أقل بكثير مما يعلن عنه، بحسب يشوعي الذي يؤكد أن البنوك المركزية في كل دول العالم يجب أن تكون أقوى من أقوى المضاربين في السوق، مضيفاً: إن سلامة لم يعتمد سياسة نقدية بل كان منذ تسلّمه منصبه خارج قواعد هذه السياسة.
واشار الى ان السوق السوداء الحالية هي السوق الحقيقية القائمة على العرض والطلب، واذا كان سلامة ينكر ذلك فليتدخّل عندها بضخ الدولار في السوق لتثبيت سعره على 4 آلاف ليرة، معتبراً أن السوق السوداء تعمل وفقاً للعرض والطلب وهي التي تلبّي كامل الحاجات للدولار حالياً. ولم يغفل يشوعي بأنّ عمليات المضاربة تنشط فعلاً في السوق، اذ يتفاهم عدد ممّن يحملون الدولارات على ضخ كميات منها في السوق لزيادة العرض وعندها ينخفض السعر، فيعاودون بعد ذلك الشراء على سعر أدنى ويحققون أرباحاً بنسبة قد تصل أحياناً الى دولار ونصف الدولار بالدولار الواحد أو أكثر، فيكررون البيع والشراء مرات متتالية.
وأوضح ان “هؤلاء المضاربين يرسلون عادة موظفين يحملون حقائب مليئة بمئات آلاف الدولارات ويتعاملون بالشراء او المبيع مع الصرافين فئة (ألف) الذين هم بمثابة “مقياس الحرارة” لليرة اللبنانية”.
ويرى يشوعي اننا وصلنا الى ما وصلنا اليه من ارتفاع في سعر الدولار بعد السياسات الاقتصادية القائمة على الريع واغراء الناس بالفوائد للايداع بالليرة، اضافة الى الاعتماد على مصادر خارجية لتأمين الدولارات كالمؤتمرات الدولية بدلاً من الاعتماد على الانتاج والتصدير، منتقداً الاعتماد منذ العام 1993 على هذه المصادر الخارجية التي تتأثر بالعوامل السياسية والاقتصادية للخارج صعوداً او نزولاً.
أما الخبير الاقتصادي لويس حبيقة فلديه نظرة اخرى للسوق السوداء، مقلّلاً من أهميتها ومعتبراً انها تُحتضر. وأوضح أن هذه السوق تنشأ عندما تتعثّر الاسواق الشرعية أو عندما يكون العرض غير كاف، وايضاً عندما يكون هناك طلب زائد وغير منطقي على الدولار.
واعتبر حبيقة أن السوق السوداء التي تشكّل 10% فقط من حجم السوق الكامل للدولار في لبنان ستتراجع تدريجاً مع ازدياد اعداد الوافدين الى لبنان والذين سيضخون المزيد من العملات الصعبة في البلاد، وخصوصا في عيد الاضحى المبارك.
وتوقع حبيقة أن يستقرّ سعر الدولار بعد فترة زمنية عند 4 آلاف ليرة، وان يتم تثبيته بعد ذلك على هذا السعر رسمياً بدلاً من 1515 ليرة. ورأى أن “المضاربين المستفيدين” يعملون لاستمرار السوق السوداء الا أن عمرها لن يطول وهي تُحتضر.
الثقة وحدها تقضي على السوق السوداء وهي الطريق نحو الحلول، أما بناء هذه الثقة فيكون عبر صدمة ايجابية ومحاسبة المرتكبين، لأنه وبطبيعة الحال لن يصدّق اللبنانيون أن هناك جريمة من دون وجود مجرمين.