أكثر من حجمِها، أُعطِيت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة إلى لبنان. في الشكل، صُوّرت حدثاً ذا تداعيات سياسية، وكأن لبنان أمام عبء انتظار ردّ الفعل الفرنسي على فشل مسؤوليه في تحقيق ما هو مطلوب منهم.
تقريباً، لم يقُل لودريان في الكواليس أكثر مما أعلنه، فهو لم يحمِل مبادرة جديدة، ولم يناقش مبادرة بلاده السابقة، ولم يدخل في تفاصيل المخاض الحكومي. بلّغ الرسالة – التهديد، ومضى. وقبل مغادرته، اكتفى بحديث مقتضب مع بعض وسائل الإعلام، بدلاً من عقد مؤتمر صحافي، فاعتبر أنه “حتى اليوم، لم يرتقِ اللاعبون السياسيون إلى مستوى مسؤولياتهم ولم يبدأوا العمل جديّاً لتعافي البلاد بسرعة”، مُحذراً من أنه “ما لم يتحركوا الآن بمسؤولية، فعليهم أن يتحملوا عواقب هذا الفشل”.
أينَ يُصرف هذا الكلام؟ وأينَ تُصرف الزيارة؟ مِن لحظة الإعلان عنها حتى الآن، ليسَ هناك من تفسير واقعي لأسبابها ولا أهدافها. يُمكن القول، ببساطة، إن زيارة لودريان إلى بيروت هي زيارة “إبلاغ موقف”، وحسب. أما ضمنياً، فهي اعتراف بفشل فرنسا في إدارة الملف اللبناني مع استخدام ورقة أخيرة، هي ورقة العقوبات علّها تكون آخر “نقطة” أوكسجين لإحياء المبادرة التي لا ترى فيها باريس خلاصاً للبنان، بقدر ما تعتبرها عنوان انتصار خارجي يُستثمر في الانتخابات الفرنسية المقبلة.
مصادِر على اتصال بالفرنسيين، سبَق أن تحدثت قبل مجيء لودريان عن “مشاكل بينَ أعضاء خلية الإليزيه المعنية بالملف اللبناني، وتبادل اتهامات بضرب المبادرة الفرنسية وضعف التنسيق وعدم القدرة على تحقيق أي تقدم أو فرض ما تريده فرنسا”. وفي هذا الإطار، أفرغت المصادر الزيارة من مضمونها، معتبرة أن “وزير خارجية يأتي ويفشل في جمع شخصيتين لبنانيتين، خير دليل على ضعف الدور الفرنسي في لبنان، إذ أن هذه مهمة كانَ ينجحَ بها وسيط برتبة ضابط”!
أوساط سياسية بارزة اعتبرت بحسب “الأخبار” أن “العصا التي رفعها لودريان، هي تعبير عن غضب من الفشل الذاتي في إنجاح المبادرة الفرنسية قبل إفشالها من الداخل، بعدَ أن شكل انفجار المرفأ في آب الماضي لحظة فريدة لتعزيز نفوذ فرنسا المتراجع في شرق البحر الأبيض المتوسط”. واعتبرت الأوساط أن من المهم الالتفات إلى توقيت الزيارة، الذي دفع بغالبية القوى السياسية إلى عدم التعويل عليها أو الأخذ بالتهويل على اعتبار أن “أنا الغريق فما خوفي من البلل”. فلبنان الذي يتعرّض للحصار من الدول العربية ومن الولايات المتحدة الأميركية، عينه ليست على باريس، بل “على طاولات فيينا وبغداد”، وهذه الغالبية تنتظر ما سينتج عن المفاوضات والحوارات بين الدول الأساسية، ومدى انعكاسها على الداخل اللبناني، وبالتالي تعتبر أن دور فرنسا صارَ هامشياً أكثر من أي وقت مضى.
المصدر: صحيفة الأخبار