كتبت “النهار”: لعل معادلة ما بعد الزيارة السادسة للموفد الفرنسي الرئاسي جان إيف لودريان قد يكون أسوأ مما قبلها، تنطبق هذه المرة على الأجواء الملبدة التي عادت تخيّم على المشهد السياسي الداخلي بعد يومين من اللقاءات “العقيمة” التي أجراها لودريان مع المسؤولين والقادة السياسيين في لبنان من دون تسجيل أي تطور يُذكر في مسار الانسداد الذي يطبع الأزمة الرئاسية. وحتى لو أن لودريان كان اتخذ قراراً منذ فترة طويلة بالامتناع عن الإدلاء باي تصريحات أو اصدار أي بيانات في شأن مهمته في لبنان، فإن الغريب اللافت أن ما سمعه منه معظم الذين قابلوه من تحذير وتخوّف على لبنان السياسي، لم يلقَ مجرد تعليق أو رد سياسي وكأن المسؤولين والسياسيين لا يعنيهم كلام بهذه الخطورة يطلقه ممثل دولة كبرى أياً تكن ظروف تكراره لمثل هذه التحذيرات.
ذلك أن لودريان الذي اشتهر بأنه اطلق قبل سنوات التحذير التوصيفي للبنان من أنه عرضة لغرق مماثل لغرق سفينة التايتانيك، لم يطلق تحذيره الأخير المتخوّف على لبنان السياسي إلا من منطلق ما علم أنه خشية فرنسية جدّية من “انفجار” النظام الدستوري والسياسي اللبناني في نهاية المطاف إذا لم تنح الأزمة بسرعة إلى بدء إعادة الانتظام العام انطلاقا من انتخاب رئيس للجمهورية وقبل أن تدهم لبنان تطورات شديدة الخطورة في الجنوب وعبره الى كل لبنان.
ووسط هذه الأجواء، غادر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بيروت أمس، من دون أن تثمر جهوده في إقناع القوى السياسية على التوافق حول انتخاب رئيس للجمهورية، وفق ما نقل مصدر ديبلوماسي فرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال المصدر إنّ لودريان “لم يُحقّق أي خرق يذكر” في الملف الرئاسي، بعد لقائه قوى سياسية رئيسية في لبنان بينها “حزب الله”. وأضاف المصدر الديبلوماسي الفرنسي، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ “كل فريق متشبّث بمواقفه، ما دفع لودريان إلى تحذير المسؤولين الذين التقاهم من أنّ وجود لبنان السياسي نفسه بخطر مع استمرار الشرخ في البلاد”. وحذّر لودريان خلال لقاءاته في بيروت من “مخاطر إطالة أمد الأزمة” وسط السياق الإقليمي المتوتّر، مشدّداً على “الضرورة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير”، وفق المصدر الديبلوماسي.
وجاءت زيارة الموفد الفرنسي الى بيروت في إطار التحضير لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرنسا والتي يمكن أن يتطرق خلالها الطرفان إلى الملف اللبناني.
ومن المقرّر أن يزور بايدن فرنسا في 6 حزيران بمناسبة الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي.
واصطدمت المساعي الدولية تجاه لبنان وتلك التي يضطلع بها لودريان حتى الآن بحائط مسدود، فيما يفاقم الشغور الرئاسي منذ العام 2022 الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة.
كمت دعت الدول الخمس التي تتابع الملف اللبناني، السعودية ومصر وفرنسا والولايات المتحدة وقطر، في بيان مشترك موقّع من سفرائها في لبنان، في 16 أيار، إلى “مشاورات، محدودة النطاق والمدة، بين الكتل السياسية” قالت إنّها “ضرورية لإنهاء الجمود السياسي الحالي”.