يختصر وزير البيئة ناصر ياسين واقع المياه بالقول: “كل مصادر المياه ملوّثة”. يستعيد في حديث مع “الأخبار” التقارير التي خلصت إليها وزارة البيئة عام 2010، التي تثبت بأن المياه الجوفية اختلطت بنسب مختلفة، بالصرف الصحي ورواسب مكبات النفايات العشوائية. من هنا، لم يستغرب ياسين ظهور مرض الكوليرا في لبنان “لا يمكن تحميل المسؤولية كلّها للنازحين السوريين. فالتجمعات ليست سوى عامل واحد من سلة عوامل كثيرة”. إلا أنّ ما يقرّ به ياسين، يختلف حوله مديرو مؤسسات المياه في المناطق، المعنيين بتقييم جودة المياه من المصدر إلى المستهلك!
يسارع المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران إلى الطمأنة: “ليس لدينا مشكلة أبداً”. يربط طمأنينته تجاه نظافة المياه التي تضخها المؤسسة إلى بيوت المشتركين في المحافظتين اللتين يقيم فيهما 75% من سكان لبنان، بـ”تعقيم مصادر المياه بمادة الكلور”. وفي حال عقمت المياه في خزانات المؤسسة بعد جمعها من نبع جعيتا والآبار الجوفية، قبل ضخها إلى المشتركين، فما الذي يضمن نظافة الشبكات؟ “الخطر الوحيد اختلاط مياه الصرف الصحي بمياهنا، وهو ما لم يظهر حتى الآن. فنحن نقوم بجمع العينات بشكل يومي”. ما لا يطمئن له جبران، هو الآبار الارتوازية الخاصة، ولا سيما في حال استخدامها لبيع المياه بالصهاريج.
على خطى جبران، سار خالد عبيد، المدير العام لمؤسسة مياه لبنان الشمالي. “كلّ المياه الموزّعة من مؤسسات المياه صالحة للاستخدام”، لكنه يربط صلاحيتها بالمعالجة. أما قبل ذلك “فتصبح معظم مصادر المياه ملوّثة”. في الشمال الذي شهد انطلاقة الكوليرا، استنفرت مؤسسة المياه لمراقبة جودة المياه وتعقيمها في الخزانات والآبار التابعة للمؤسسة “لكن هناك مصادر أخرى للمياه كالآبار الخاصة والينابيع”، مستدركاً خطراً محدقاً بشبكات مؤسسته “هناك مخاوف من اختلاط الصرف الصحي بمياه المنازل في حال انكسار أحد قساطل الشبكات”. كما يتخوّف من المياه المبيعة في الصهاريج، لكن “ليس لدينا صلاحية على أصحاب الصهاريج. وكيف يمكننا ضبط جميع من يسحب المياه من القنوات والعيون والينابيع؟”. وفي هذا السياق، تقول مصادر بلدية لـ”الأخبار” إن الأجهزة الأمنية رفضت طلب المؤسسة مؤازرتها في ضبط التعدّيات على الشبكات وتوجيه الصرف الصحي إليها، بسبب ضيق الإمكانات وقلة العديد.
الأكثر يأساً بين مديري مؤسسات المياه، كان وسيم ضاهر، المدير العام لمؤسسة مياه لبنان الجنوبي الذي أوكلت إليه أخيراً إدارة مؤسسة مياه البقاع موقتاً. “البقاع مقبل على كارثة خلال فصل الشتاء بسبب عدم قيام المنظمات الدولية بتفريغ الحفر الصحية في تجمعات النازحين السوريين، التي ستفيض إلى البلدات المجاورة والسهول الزراعية وتتسرّب إلى المياه الجوفية”. في مستوى واحد، يحمّل ضاهر مسؤولية تلوّث مياه البقاع للمنظمات الدولية كما إلى تلوّث نهر الليطاني، وإلى تعثّر تشغيل محطات الصرف الصحي. أما الأسباب التي تسهّل انتشار الكوليرا فهي واحدة في الجنوب والبقاع، وإن فاقت نسبها بقاعاً: “ريّ المزروعات بالمياه المبتذلة وتوجيه الصرف الصحي للبلدات وتجمعات النازحين إلى قنوات الريّ والأودية ثم تسرّبها إلى المياه الجوفية، إلى جانب التعدّيات على الشبكة الذي يتسبّب بتلوث المياه المعقمة التي تضخها المؤسسات بملوّثات خارجية”.