التكرار المستمر للهجمات الإسرائيلية ضد قوات الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، خاصة بعد طلب إسرائيل ابتعاد هذه القوات عن مواقعها على طول الخط الأزرق، دفع إيطاليا، كونها المساهم الرئيسي في اليونيفيل (بمشاركة نحو 1000 جندي إيطالي، إضافة إلى البعثة العسكرية الثنائية الإيطالية في لبنان “Mibil”)، إلى التحرك. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس أركان الدفاع الإيطالي الجديد، الجنرال لوتشيانو بورتولانو، كان قد تولى قيادة اليونيفيل في عام 2014، ممّا يعزز التزام إيطاليا بمهام القوات الدولية في لبنان.
تترافق هذه التطورات مع استمرار الحرب في أوكرانيا والخوف المتزايد في أوروبا من الانزلاق إلى حرب واسعة في الشرق الأوسط، وهو ما قد يؤثر على الجميع، سواء من ناحية الهجرة غير الشرعية، التي تحاربها إيطاليا بشدة، أو من ناحية التأثير الاقتصادي في وقت يسعى فيه الجميع إلى الاستقرار. كل هذه المعطيات دفعت إلى استنفارٍ سياسي سريع في إيطاليا، حيث قررت رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني، التي تُعرف بمواقفها الجريئة، زيارة لبنان للتأكيد على تمسك بلادها ببقاء القوات الدولية في مواقعها.
ميلوني رفعت نبرة التحدي في وجه إسرائيل، حيث فرضت قيودًا صارمة على توريد الأسلحة إليها، واعتبرت أن الانصياع لطلبها الأحادي بانسحاب اليونيفيل سيكون خطأً كبيرًا يضرّ بمصداقية الأمم المتحدة. هذا الموقف المتقدّم من ميلوني جاء بعد تصريحات وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروزيتو، الذي اتّهم إسرائيل بارتكاب “جرائم حرب محتملة” إذا استهدفت قوات اليونيفيل مجددًا، مؤكدًا أن إيطاليا لا تتلقى أوامر انسحاب من أحد، ولن تتسامح مع إطلاق النار المتعمد على مواقع وتجهيزات تابعة لليونيفيل.
وعلم موقع “المدى” أن زيارة ميلوني إلى لبنان ستتبعها خطوات أخرى تؤكد استمرار دعم إيطاليا للبنان وعدم التخلي عنه، مع الأمل أن يقوم لبنان بدوره في مساعدة نفسه. ومن المتوقع أن تجدّد ميلوني خلال لقائها مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، دعمها للحكومة اللبنانية في هذه الظروف الصعبة، وأن توجه رسالة دعم لليونيفيل ودورها في الحفاظ على السلام في الجنوب ومنع انزلاق الوضع إلى حرب شاملة. كما ستؤكد دعمها للجيش اللبناني وجهود الحكومة اللبنانية للتوصل إلى وقف إطلاق النار على أساس القرار 1701.
تأتي زيارة ميلوني لتجدّد الدعوة إلى أهمية الالتزام بالشرعية الدولية. ومع ترؤس إيطاليا لمجموعة الدول الصناعية السبع حاليًا، تسعى لتعزيز دورها في السياسة الخارجية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أن إيطاليا كانت قد رعت مؤتمر روما الدولي في 26 تموز 2006، لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان خلال حرب تموز، بحضور دولي كبير، قبل أن يتمّ تبني القرار 1701 من مجلس الأمن في آب 2006.
وفق مصادر دبلوماسية مطلعة، فإن إيطاليا بدأت تستعيد دورها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تؤدي دورًا محوريًا في التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة الحالية، خاصة بعد أن أبدت مواقف متقدمة تجاه إسرائيل، وعدم اقتناعها بتبريراتها بشأن الهجمات على اليونيفيل. ومن هذا المنطلق، ترى المصادر أن إيطاليا تعزّز دورها كراعٍ للسلام في المنطقة، في ضوء عزمها على إبقاء قوات اليونيفيل في مواقعها.
