رضوان عقيل – النهار
إن كانت كل الأنظار في الداخل والخارج تركّز على تطوّرات المواجهات العسكرية بين إسرائيل و”حزب الله” التي لم يعد شعاعها يقتصر على حدود الجنوب، فإن لبنان الرسمي يتحرك على أكثر من صعيد رغم اعتراف المعنيين بأن العواصم الكبرى وعلى رأسها واشنطن تتبنّى وجهة النظر الإسرائيلية رغم عدم التلاقي بين إدارة الرئيس جو بايدن وبنيامين نتنياهو الذي قطع الطريق على مهمة الموفد آموس هوكشتاين بعد فشل محاولته الأخيرة في تل أبيب.
وفي المهمة الديبلوماسية التي يقوم بها وزير الخارجية عبد الله بو حبيب في الأمم المتحدة جاءت كلمته بالتنسيق مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي آثر عدم التوجّه الى نيويورك على قاعدة أن من الأفضل أن يبقى في السرايا ويتابع حركة اتصالاته مع المسؤولين الغربيين. وكانت كلمة بو حبيب محل ترحيب عند الرئيس نبيه بري حيث رأى أنها “تعبّر عن حقيقة موقف لبنان في أرفع مؤسسة دولية ديبلوماسية رغم تبني أكثر دولها لرؤية إسرائيل والسكوت عن عدوانها في غزة وما خلّفه من مجازر”.
ويتوقف رئيس المجلس وغيره عند معاودة أميركا إحضار قطع من أسطولها البحري الى المتوسط لطمأنة إسرائيل وتوجيه رسائل إنذار الى “حزب الله” وقبله إيران في مشهدية تؤكد أنه رغم كل اعتراضات واشنطن على أداء نتنياهو ستبقى أسيرة فلك خياراته أقله الى حين موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وينطلق ميقاتي من أنه لن يوفر أي فرصة تساعد لبنان وتؤدي الى منع إسرائيل من تنفيذ عدوانها ضد لبنان، ويؤكد نقطة أساسية هي بذل كل المساعي والقيام بالاتصالات المطلوبة “من أجل تجنيب لبنان التصعيد الكبير”.
ويأتي الرد اللبناني في معرض اتصالاته مع الخارج هو أن إسرائيل هي التي تتحمّل مسؤولية ما تتجه إليه الأمور وتدحرجها نحو المزيد من موجات التصعيد، وأن إسرائيل هي التي رفضت كل المبادرات الأميركية والغربية الأخرى بوقف إطلاق النار في غزة. وفي حال التوصّل الى هذا المسعى الذي تأخر منذ أكثر من 11 شهراً كان سينعكس إيجاباً على جبهة جنوب لبنان حيث ليس لإسرائيل أسرى لدى “حزب الله”.
واتخذ رئيس الحكومة قرار عدم التوجّه الى نيويورك بناءً على قاعدة أن من الأسلم أن يتابع اتصالاته من السرايا ويبقى على مواصلة علاج أي طارئ مع الوزراء على الأرض. وناقش ميقاتي تفاصيل التطوّرات الأخيرة مع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جنين هينسين بلاسخارات التي ستتوجه الى تل أبيب اليوم الاثنين. وتناول معها أخطار ما تقدم عليه إسرائيل من استهدافها المدنيين في الضاحية الجنوبية وأكثر المناطق في مشهد إعلان حرب على البلد، ولا سيما بعد مجزرتي “البيجر” والأجهزة اللاسلكية.
ويتلاقى ميقاتي مع الرئيس نبيه بري الناشط بدوره على خط أكثر من جهة ديبلوماسية ولو أن معطيات كل هذه الاتصالات مع العالم لن تنتج أي مبادرة بعد تؤدي الى منع نتنياهو من مواصلة مسلسله التدميري الذي بدأه قبل نحو سنة في غزة حيث لا يتراجع عن الاستفادة من أي عامل في إسرائيل والمنطقة وصولاً الى البيت الأبيض لاستثماره في حربه ولو عن طريق سفك دماء المدنيين حيث لم تعد سياساته محل تأييد وخصوصاً ما ينفذه حيال لبنان وهذا ما يعبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكان التركيز في اتصاله الأخير مع بري على ضرورة العمل على عدم مواصلة إسرائيل حلقات جرائمها في لبنان التي تناولها رئيس المجلس بإسهاب مع ماكرون الذي لم يعد يخفي انزعاجه الذي يصل الى حدود الاعتراض على أداء نتنياهو وسياساته في غزة والمنطقة. وفي دلالة على ذلك كانت كلمة فرنسا في الجلسة الأخيرة في مجلس الأمن محل قبول عند اللبنانيين.
وفي زحمة تصدر أصوات الصواريخ والطائرات الإسرائيلية فوق سماء الجنوب وكل لبنان لا أولوية الآن للمسار الديبلوماسي من العواصم المعنية في اتجاه بيروت التي تتحضر لاستقبال الموفد الفرنسي جان إيف لودريان. وكان بري قد أوضح لـ”النهار” الأسبوع الفائت أنه غير متحمّس لهذه الزيارة إن لم تأت بجديد، ليس اعتراضاً على دور فرنسا في لبنان العامل منذ أكثر من سنتين على إتمام انتخابات رئاسة الجمهورية. وناقش بري مع ماكرون أيضاً في ماهية زيارة لودريان في وقت يجمع فيه الأفرقاء من رؤساء الكتل النيابية على عدم ظهور أي بوادر جديدة تساعد على التوجّه الى جلسة انتخاب حيث يظهر الجميع كأنهم يسلّمون بهذه الاستنزاف في فصل الشغور الرئاسي المفتوح وأن محطة لودريان لن تتخطى حدود التأكيد أن دولته ما زالت معنيّة بهذا الاستحقاق بالتعاون مع “الخماسية” وسيلتقي لودريان سفراء دولها يوم الثلاثاء المقبل حيث سيقيّم معهم حصيلة لقاءاته مع بري وميقاتي وسمير جعجع ووليد جنبلاط وآخرين.
من المتوقع ان يطغى الوضع الأمني على الملف الرئاسي في حوارات لودريان حيث لا صوت يعلو على صوت المواجهات الحربية المتصاعدة.