رندلى جبور- خاص “المدى”
قليلة هي المصادفات البحتة في هذا العالم. وليس صدفة أبداً أن يكون ميشال عون هو رئيس “لبنان الكبير” في عيده المئة. فلبنان الكبير مزروع بفكر الجنرال ونضاله، ومكتوب في كل سطور مسيرته، التي وإن قرر البعض عن مصلحة أو عن قلة إدراك أن يشوّهها، إلا أنها ستكون واحدة من تلك المسيرات التي ستحفر عميقاً في التاريخ… وفي المستقبل.
وبين ميشال عون ولبنان الكبير علاقة من الميلين: أعطى لبنان الكبير للجنرال حدوداً وصيغة وبداية وطن محدد المعالم ومشروع حلم لأمة عظيمة على صِغرها، وأعطى الجنرال للبنان الكبير حماية للحدود وحفاظاً على الصيغة وبناءً لوطن حر سيد مستقل، ونضالاً وجودياً من أجل البقاء. ولكل ذلك ترجمته في تاريخ ذاك القائد الكبير الذي لا يمكن إلا أن يكون على رأس لبنان الكبير في مئويته.
فلنبدأ من الجيش الذي هو العمود الفقري لأي وطن نهائي لأبنائه، لأي وطن قوي ومستقل. قسّموه واقترعوا على بذلته. ولكن القائد عون أعاد إلى الجيش وحدته وهيبته، وأسس أفواج الدفاع وكان اللواء الثامن لواء النخبة بامتياز. خاض عون مع جيشه المعارك القاسية وانتصر بإرادته ووطنيته وثقة عسكره وإيمانهم بالأرض، وصوّب مدفعيته دوماً نحو المحتل أو المغتصب أو من يريد أن ينهش من الجسد اللبناني أو حتى من هو بالداخل ولكنه مُغرم بالميليشيات بدلاً من المؤسسات، مغرم باللبنانات بدلاً من اللبنان. وأطلق الجنرال شعار “أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يُقسّم”، وهذا الشعار هو الترجمة الفعلية ل”لبنان الكبير” بلا زيادة أو نقصان. فلبنان الكبير هو الذي لا يمكن لأحد أن يفتح فمه ويبتلعه ويجعله في أحشائه، وهو في نفس الوقت الذي لا يمكن تقسيمه أو تجزئته لأن ميزة لبنان هي بتعدديته وتنوعه تحت سقف واحد. ولأنه أراد فعلاً لبنان الكبير وعمل عليه، فتحوا عليه نار 13 تشرين، ونفوه، وظنّوا أنهم قضوا على الحلم وعلى لبنان الكبير. فكان أن ولدت من رحم عون، حالة نضالية لا تشبهها أي حالة أخرى على امتداد التاريخ اللبناني، فاستلمت استكمال معركة “لبنان الكبير” إلى جانبه بعدما أرادته كل فئة لبناناً على قياسها. فحتى خلال وجوده في الخارج، كان الجنرال عون في قلب لبنان وكان لبنان في قلبه. نذكّر: لبنان الكبير! وشقّ الجنرال والعونيون درب التحرير من أجل لبنان الكبير، وتحققت الحرية والسيادة والاستقلال، ولو سرق البعض شعاراً لم يكن يوماً لهم ولم يكونوا يوماً معه. ومن أجل لبنان الكبير، صاغ الجنرال الكبير التفاهمات الوطنية، مكسّراً كل الحيطان التي تمنع اللبناني من معرفة اللبناني الآخر حقاً وبعمق، ومانعاً إعادة تكريس المتاريس، ولو في عز خصومة! وأطلق الرئيس ميشال عون الحرب على الارهاب، هو الذي وقف بوطنية وإنسانية فائقة في حرب تموز التي شنّها العدو الإسرائيلي، غير مهتمّ بكل التهديدات التي وصلته شخصياً، لأن لبنان الكبير هو المهم بالنسبة إليه. ولكي يبقى لبنان كبيراً، يخوض الرئيس عون اليوم معركتين كبيرتين: الاولى مكافحة الفساد، لأن الفساد إذا استمرّ بأكل المؤسسات اللبنانية، لن يبقى لبنان كبيراً بل سيصبح مجموعة جيوب تتقاسم السرقات فقط لا غير، والثانية هي الدولة المدنية، لأن الطائفية إذا تغلغلت أكثر فهي أيضاً ستقسّم لبنان الكبير وتجعله مجموعة عصبيات كريهة.
ميشال عون، الرجل المؤمن بالعيش معاً في دولة مدنية، المقاتل على الجبهات ضد المحتل، الذي مدّ اليد في الداخل حتى للخصوم لعدم قطع الصلات بين اللبنانيين وتقسيم لبنان، المحارب للإرهاب والواقف بوجه الأطماع الاسرائيلية ببلدنا، الذي لم يوقّع على مشاريع الخارج ولم يقبل بأي شكل لا بالتوطين ولا بدمج النازحين ولا بتسليم إدارة النفط ولا بالاستغناء عن جزء من المياه البحرية ولا عن حبّة تراب واحدة، النظيف الكف الذي لم يستطع أحد أن يثبت عليه نقطة فساد واحدة، غير الملوّث بالدم وغير المجبول بالحقد، الرجل الصادق والعصامي، صاحب الارادة الصلبة والقدرة الفائقة على التحمّل، صاحب المسيرة المليئة بالمحطات المشرقة والمشرّفة، والذي يحوّل كل أزمة إلى فرصة، ذاك الذي لا يستسلم ولا يبيع ولا يشتري، هذا وحده يليق به أن يكون رئيساً للبنان الكبير في مئويته!
لا ليست مصادفة أن يكون ميشال عون في الاول من أيلول 2020 هو رئيس جمهورية لبنان الكبير. وليست الحرب عليه إن من الداخل أو من الخارج إلا حرباً على “لبنان الكبير” ولكن حربهم ستفشل، ولبنان الكبير سيبقى!