خاص-رندلى جبور
مرّ عام على 17 تشرين 2019. ذاك التاريخ الذي بعكس التواريخ المضيئة التي تبدأ بألم وتتحوّل إلى أمل، كان الامل الذي استحال ألماً.
ومردّ هذا الالم إلى اللا مشروع، واللا مشروع يعني الفراغ. وإلى اللا رأس، واللا رأس يعني اللا دماغ واللا قيادة. وإلى تعميم التهمة من خلال “كلّن يعني كلّن”، فكان أن خلطوا الآدمي بالفاسد، والإصلاحي بالسارق، وحامل المشروع الوطني بصاحب المصالح الخاصة، وتحوّلت مجموعات 17 تشرين إلى جزء من هذا “الكلّن” لأنها باتت نسخة عمّن سمّتهم الطبقة السياسية، لا بل نسخة طبق الاصل. فبربّكم بما تختلف “قيادات” 17 تشرين عن السياسيين؟
ومردّ الالم أيضاً إلى أن من ادّعوا أنهم يموّلون “ثورتهم” الشريفة، كانوا يقبضون من الخارج، وما الهواء المفتوح وسُفرة السوشي وحفلات الرقص والباصات التي اشتغلت على الخط وكلام دايفيد هايل إلا دليل.
كما سمحت “17 تشرين” بأن تركبها الاحزاب والسفارات، وتشرذمت من الداخل باعتراف من هم مِن أساساتها، وفتحت الابواب أمام انتحار ثقافة القيم ونشر حرية الفوضى والشتيمة والسباب والشعارات “الزقاقية”. كانت “ثورة” قطع الطرقات وبناء الجدران والمعابر على الرغم من رفع شعارات اللا طائفية. كانت “ثورة” منع المريض من الوصول إلى المستشفى، ومنع العامل من الوصول إلى عمله، ومنع الطالب من الذهاب إلى مدرسته، والمساهمة في مزيد من انهيار الوضعين المالي والاقتصادي.
كانت “ثورة” بلا فكر ولا تقديم بديل عن الواقع القائم. كانت “ثورة” عرقلة المشاريع، واستهداف العونيين دون غيرهم. كانت محاولة انقلاب على ميشال عون والتيار الوطني الحر، وإعادة المنظومة الفاسدة إياها، سليلة الميليشيات، إلى الاستمرار بالتحكّم بمفاصل الدولة، بدلاً من أن تضع يدها بيد أب الاصلاحيين الرئيس ميشال عون الذي دعاها أكثر من مرة إلى أن تلاقيه وتضغط معه من أجل مكافحة الفساد.
كانت ثورة سرقها الزعران وجعلوا من أنفسهم أبطالاً وهم من المطلوبين إلى العدالة. كانت ثورة الشغب لا البناء. وثورة الفوضى لا المشروع. وثورة الترفيه أكثر منها المسؤولية الوطنية. وثورة الفاشونيستاز وإعلاميات وإعلاميي آخر زمن. وثورة الانفلوانسرز الذين لا يلحقهم أكثر من عشرة أشخاص في الاوطان التي تحترم نفسها. وثورة بعض المتقاعدين الذين عندما خلعوا البذلة التي نعشق، تناسوا أنهم أبناء مؤسسة وتحوّلوا إلى “قادة محاور”.
ونسأل ما هو الإنجاز الذي حققته 17 تشرين؟ بماذا ساعدت بلدنا؟
كم أضاعت هذه المسمّاة زوراً ثورة من الفرص، وكم أعادتنا إلى الخلف بدلاً من المساهمة في تقدّمنا إلى الأمام وخروجنا من المآزق.
هي عن حق الثورة التي أطلقت النار على نفسها… وعلى الوطن، الذي تكفيه الحروب عليه من كل الجهات!