بعد أكثر من 3 أشهر على انطلاق الانتفاضة، لا تزال مجموعات ثلاث هي الأكثر تمسّكاً بالتظاهر أمام مصرف لبنان أو الانطلاق منه في أي مسيرة احتجاجيّة: الحركة الشبابيّة للتغيير، مجموعة شباب المصرف وقطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني. وهي قادت أمس، بمشاركة مجموعات أخرى، منها «مجموعة تأميم المصارف»، مسيرة بعنوان «من أجل إجراءات لمواجهة الأزمة الماليّة والنقديّة، تحمي حقوق الناس»، انطلقت من أمام مصرف لبنان في الحمرا مروراً بوزارة الماليّة وصولاً إلى المجلس النيابي. أمام «مجلس الشعب» أعلن المنظّمون عن «ورقة إجراءات نقدية» وافق عليها عدد من المجموعات والأحزاب، و«تتحمّل المؤسّسات التي قصدتها المسيرة مسؤوليّة إقرارها» كما يقولون.
«الحركة الشبابيّة للتغيير» استطاعت أن تبرز خلال الانتفاضة وتزيد عدد الناشطين فيها، وهي إذ خطفت الأضواء حين اقتحم أربعة من أفرادها، في وقت مبكّر من الانتفاضة، جمعيّة المصارف وأذاعوا بياناً من داخلها، استمرّت في لفت الانتباه إلى يساريّة أعضائها وإصرارهم على الاشتباك مع «سلطة رأس المال».

«مجموعة شباب المصرف» داومت على الاعتصام أمام مصرف لبنان المركزي في الحمرا، وشبّكت مع ناشطين في المناطق للاعتصام أمام فروعه.
قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي بيّن بدوره عن ديناميكيّة في المشاركة في تحرّكات المصارف أو سواها، وهو شارك أمس، مثلاً، في الاحتجاجات في محيط المجلس النيابي، سعياً إلى منع انعقاد جلسة الموازنة صباحاً، وفي الاعتصام الطلابي الذي نظّمه تكتل طلاب الجامعة اللبنانية أمام إدارتها المركزيّة (المتحف) ظهراً، وفي المسيرة من المصرف المركزي مساءً.
إلى جانب الشعارات ضدّ الرأسماليّة وسلطة المصارف، هتف المتظاهرون «مش ح نكِل و مش ح نمِلّ، ما في حبوس تساع الكل»، خلال مسيرتهم من الحمرا باتجاه جسر الرينغ ووزارة الماليّة (مستديرة العدليّة) وفي ساحة الشهداء حتى محيط البرلمان. هتافهم قصدوا به جميع المعتقلين، وبشكل خاص المعتقل حسن ياسين لدى الشرطة العسكريّة بتهمة «اقتناء عبوات زجاجيّة تحتوي على مواد مشتعلة». ملف ياسين أحيل بإشارة من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى القضاء العسكري. وهو كان اعتقل الأربعاء الماضي، خلال مسيرة احتجاج مماثلة من مصرف لبنان إلى جمعيّة المصارف (حيث اعتقل) وصولاً إلى البرلمان، وأودع في ثكنة الحلو، إلى أن جرى تحويل ملفّه إلى القضاء العسكري صباح الجمعة الماضي. الناشطون يتخوّفون من أن يتحوّل ياسين إلى «كبش فداء» كلّ الممارسات أمام المصارف، خصوصاً أن البيانات الأمنيّة استبقت التحقيق معه، فيما أفاد رفاقه عن تعرّضه للضرب، وهو ما يسهّل «انتزاع» أقوال عمّا لم يقترفه.

مع انتهاء المسيرة التي انطلقت من مصرف لبنان إلى المجلس النيابي أمس، أعلن عن ورقة تتضمّن إجراءات نقديّة عاجلة، هي طرح مشترك لعدد من القوى والمجموعات المنخرطة في الانتفاضة الشعبية، وجرى تداولها خلال اليومين الماضيين. أبرز المشاركين في إعداد «ورقة الإجراءات النقديّة العاجلة»، هم: الحزب الشيوعي اللبناني، التنظيم الشعبي الناصري، الحركة الشبابية للتغيير، بيروت مدينتي، تحالف وطني، المرصد الشعبي لمكافحة الفساد، الكتلة الوطنية، لبنان عن جديد، التيار النقابي المستقل، مجموعة القنطاري، تيار المجتمع المدني، التجمع الديمقراطي العلماني، تكتل طلاب الجامعة اللبنانية، شبكة مدى، ولِحقّي.
جاء في الورقة:
«إن ما نعيشه اليوم من مظاهر انهيار اقتصادي هو نتاج عقود من السياسات النقديّة والماليّة الهدّامة، التي قادت البلاد نحو نموذج اقتصادي غير منتج، يحمل في بنيته أسباب التفجّر والانهيار. وقد فاقم هذا الأمر أشكال الفساد والنهب المنظّم لموارد الدولة، التي اشتركت فيها كلّ الأحزاب والتيّارات السياسيّة من خلال الحكم المباشر، بالاشتراك في الحكومات أو تغييب دور المجلس النيابي في المحاسبة خلال ما يزيد على 30 عاماً.
إن ما يجري اليوم من حبس لأموال المودعين ورواتب العمّال والموظّفين، مع قرارات استنسابيّة من المصارف، وحجز لأموال المواطنين، وخاصة صغار المودعين، يعني أن السلطة تريد تحميل الشعب جرائمها بحق ماليّة الدولة وسياساتها النقديّة الفاسدة. وذلك بعد شحّ النقد ووجود سعرين للصرف وارتفاع الأسعار، ما يزيد المخاوف والقلق من تآكل الودائع والمدّخرات والمداخيل. لا لن نسكت عن سرقاتكم، وسياساتكم الفاشلة، وهندساتكم الاستفزازية، لن تموّل هذه الأزمة من جيوب الفقراء. لن ندفع ثمن فشلكم.
لذلك نرى أن بداية الحلّ، هي عبر الإجراءات التالية:
١ – استبدال الضوابط العشوائيّة والاستنسابية التي فرضتها المصارف بتدابير عادلة عبر ضوابط تصدر بشكلٍ رسمي وشفّاف عن السلطات السياسية والنقدية، بما يمنع تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج. تأخذ في الاعتبار طبيعة الحسابات ووجهة الاستعمال، بحيث لا تطاول الرواتب وصغار المودعين والحسابات الجارية وودائع الضمان الاجتماعي والتحويلات من الخارج وتكون خاضعة لإطار زمني قابل للتجديد. على أن يرافق تلك الضوابط خطّة إنقاذ ماليّة متكاملة لتكون تلك الفترة أقصر الممكن نظراً إلى تداعياتها السلبية، وترتكز خطة الإنقاذ المالية على الخطوات اللاحقة.
٢- إطلاق عمليّة إعادة هيكلة شاملة للدين العام الخارجي والداخلي تشمل أصل الدين وخدمته بكل العملات، وفق آليّة لا تشمل في أي من جوانبها مصالح محدودي الدخل أو ودائع صغار المودعين، وتحميل عبء هذه العمليات لكبار المودعين وأصحاب الأسهم. وذلك قبل الاستحقاقات الداهمة للدفع في آذار المقبل. ودرس آليّة لمنع تحويل الدين الداخلي إلى خارجي.
٣- رفض التحويل القسري لودائع الدولار إلى الليرة اللبنانية.
٤- وضع خطة لإدارة احتياط الدولار المتبقّي بشكل استراتيجي تجاه تأمين المواد الأساسية.
٥- إعادة رسملة المصارف، ضمن إعادة هيكلة شاملة للقطاع، ووقف توزيع الأرباح مرحليّاً بما يحمي الائتمان.
٦- فرض ضريبة تصاعديّة استثنائية ولمرة واحدة على أصل الودائع، على أن تطاول كبار المودعين حصراً.
٧- استعادة المليارات التي حقّقتها المصارف كأرباح فوريّة في إطار الهندسات الماليّة الجارية منذ عام 2016، أو دخول الدولة كشريك مقابل هذه الأموال.
٨- التحقيق في جميع التحويلات الماليّة الكبرى إلى الخارج التي جرت في آخر سنتين، والعمل على استعادتها بالوسائل القانونيّة المناسبة.
٩- إن تطبيق هذه الإجراءات يتطلب شفافيةً مطلقة في ميزانيات مصرف لبنان والتدقيق بها من قبل شركات موثوق بمهنيتها. وأن تقوم السلطات كافة بدورها الرقابي الفعلي تجاه المصارف.
١٠- رفع السريّة المصرفيّة بما يضمن الشفافية والوضوح.
١١- إلزام جميع المؤسسات العامة والخاصة بتسعير جميع السلع والخدمات والعقود وتقاضي أثمانها على أساس سعر الصرف الرسمي الذي يعلنه مصرف لبنان، وإجبار جميع الشركات على تحرير رساميلها بالليرة اللبنانية، بما في ذلك المستثناة بموجب قوانين عامة أو خاصة. واتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط أعمال الصيرفة ومكافحة جميع أعمال المضاربة على سعر العملة اللبنانية وتجريمها وملاحقة المتورطين فيها.
١٢- تخفيض الفوائد على القروض بالتوازي مع تخفيضها على الودائع، وتأجيل دفع القروض (grace period) لمدة 6 أشهر على الأقل، من دون تحميل أصحابها أي أعباء إضافيّة.
خطة الإنقاذ المالية يجب أن تتبعها سياسات اقتصادية طويلة المدى، بدءاً بإعادة بناء النظام الضريبي وإعادة النظر في بنية الإنفاق العام مع منع التهرب الضريبي والقضاء على مكامن الهدر والفساد.
لقد أثبتت تطوّرات الفترة الماضية أن هذا النظام الاقتصادي فاشل وغير جدير بالبقاء لأنه لم يساهم في بناء اقتصاد وطني قادر على المجابهة؛ وها هي المصارف تتعامل مع المواطنين بشكل مخجل، تشحذهم أموالهم، وها هي الدولة تقف متفرّجة، والمصرف المركزي منذ أواخر شهر أيلول 2019 قيّد عملياته بشكل غير مسبوق، وهو لم يقم لغاية الآن بأي تعاميم وإصلاحات جذريّة خاصة في حماية أموال صغار المودعين من الضياع.
معركتنا الأساس اليوم، في حماية أموال الشعب وخاصة أصحاب الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، طبقة الموظفين والعمال المهدّدة بالإفلاس وبضياع أصولها وتحويلهم إلى فقراء على أبواب أمراء الحرب وزعماء السّلم لشحذ معونات منهم. لن نسقط، نعدكم، سنسقطكم قريباً والشعب هو صاحب القرار النهائي».