ذكّر العميد الركن د. هشام جابر أنّه عندما أعلن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وقف اطلاق النار في لبنان وهدّد بعدها الرئيس السوري بشار الأسد بأنه يلعب بالنار، “سُئلنا يومها ما هو القصد من هذا التهديد؟ هل سينفّذ هجوماً عسكرياً على سوريا من الجولان باتجاه دمشق، وهناك 70 كلم فقط؟ أجبت أن هذا الأمر مستحيل لأسباب عدّة، منها أنّه لن يفتح جبهة مع سوريا خصوصاً في ظل الوجود الروسي هناك، فهي حتماً لن توافق على هذا الهجوم. فإذاً، سيفعل شيئاً في سوريا”.
وأكّد جابر أنّ “ما حصل في شمال سوريا شكّل حقيقة مفاجأة للجميع، لنا وللسوريين وربّما للروس ايضاً”، لكنّه استغرب “أن يتفاجأ الروس بهذا الهجوم وهي التي يُفترض أن يكون لديها استخبارات قوية، فهجوم منظّم كهذا ينفّذه عشرات الألوف من الارهابيين لا يمكن أن يتمّ بين ليلة وضحاها”.
وكشف جابر بأنّ “هذا الهجوم تمّ التحضير له في 15 تشرين الاول، ويبدو أنّ تركيا قد نصحت بعدم تنفيذه في ذلك الوقت، أمّا لماذا سمحت به الآن؟ فيمكن القول إنّ أربع جهات لها مصلحة في ذلك وكانت تعلم بهذا الهجوم، وهي: اسرائيل، تركيا، الولايات المتحدة الاميركية واستطراداً اوكرانيا بعد الحديث عن وجود خبراء وضباط اوكرانيين في المعارك”.
واستبعد جابر أن تكون الغاية من هذا الهجوم هي ضرب نظام الرئيس بشار الاسد، “بل إخضاع النظام للشروط التركية”، مذكّراً بأنّ تركيا قامت بوساطات عدّة عن طريق روسيا لكي يجتمع الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان مع الأسد، لكن الأخير رفض، وذهب البعض الى القول إنّ برفضه قد ضيّع فرصة ثمينة، وكان في امكانه عقد هذا الاجتماع، لكنّ الأسد وضع شروطاً مسبقة، كاعتراف تركيا بوحدة سوريا والإنسحاب من أراضيها”.
وشدّد جابر على أنّ اتفاق استانا الذي لم تنفّذه تركيا “قد انتهى”، وقال: “في العمليات العسكرية من المؤكد أنّ هناك اكتساحاً كبيراً”، مُنبّهاً الى أنّ “بيت القصيد هو حلب”، ومذكّراً بما كان يردّده دائماً “بأنّه إذا لم ينكسر مثلّث حلب ـ اللاذقية ـ دمشق وبينهم المنطقة الوسطى، فإنّ سوريا لا تُقسّم”.
وأوضح جابر أنّه “في الحروب العسكرية، ليس مهمّاً من يتقدّم عسكرياً في الأيام الأولى”، مشيراً الى أنّ النظام يستعدّ لتنفيذ هجوم مضادّ قوي بدعم روسي، فروسيا لن تقبل حتماً بتمدّد الارهابيين وهي التي انتظرت 120 سنة للوصول الى المياه الدافئة في سوريا وبناء ميناء طرطوس وقاعدة حميميم”.
واعتبر جابر أنّ “لكلّ دولة متورّطة بالهجوم هدفاً: فتركيا تريد أن يتفاهم الأسد معها ويوافق على إملاءاتها لأنّها غير مستعدّة للإنسحاب من سوريا من دون ثمن وهي التي تغصّ بـ4 مليون نازح، وقد أتعبتها المجموعات الارهابية. أمّا “هيئة تحرير الشام” فــ 70 بالمئة منها هم سوريون، ويمكن استيعابهم باتفاق لاحق أو ببرنامج معين”. وتابع: “الرئيس الأميركي جو بايدن يهمّه توريط روسيا في معارك جانبية بعيداً من اوكرانيا قبل رحيل إدارته، بعد الحديث عن صفقة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين لإنهاء حرب اوكرانيا. ولاسرائيل هدف حتماً فعوضاً عن الحرب البرّية ضدّ سوريا، يهمّها أن تكون المنطقة مضطربة”.
واستحضر جابر موضوع الأكراد “المعقّد جدّاً والذي يتطلّب تفكيكاً”، فـ”الأكراد هم أعداء تركيا، وتركيا عدوّتهم، وهم حلفاء الولايات المتحدة الاميركية المشاركة في كل ما يحصل، وعليه باتوا لقمة سائغة بين تركيا والنظام السوري”.
وقال:”لا أحد يعرف مسار المعركة العسكرية لكن اعتقد أن المشهد سينجلي في غضون أسبوع لمعرفة ما اذا كانت روسيا ستتمكّن مع سوريا من إبعاد المجموعات الارهابية المسلّحة عن حلب، أمّا إذا فشلت وتمدّد الارهابيون، فيمكن أن تتحرك “داعش”، النائمة في مناطق عديدة ولا سيما في البادية السورية، وبقوّة فتصل بكل سهولة الى الهرمل، وإذا تمكنت من الوصول إلى منطقة القصير، كما حصل في العام 2016 وهنا تقع الكارثة”.
وفي اعتقاد جابر أنّ “حزب الله” سيذهب إلى مناطق القتال “ولا مشكلة لديه في ذلك، صحيح أنّه فقد الكثير من قدراته العسكرية، لكنّه لم يفقد عديده، فخسارته نحو 5 او 10 بالمئة من عناصره لن يعيق تحرّكه”.
ووصف جابر أخيراً اتفاق وقف اطلاق النار بالـ”هشّ”، وقال: “اسرائيل تخرقه منذ اليوم الأول، وبحسب تقرير فرنسي فقد خرقته 56 مرّة، والأنباء الواردة على لسان وزير الدفاع الاسرائلي غير مطمئنة، و”حزب الله” بدأ يردّ على هذه الخروقات في مزارع شبعا، ونتمنّى نحن أن يصمد هذا الاتفاق وأن لا يتورّط الحزب ويفتح الحرب من جديد، فالأمور مرهونة بأوقاتها، حتى أنّ قائد الجيش أبدى خشيته من أن يضطرّ “حزب الله” للردّ اذا تمادت اسرائيل في عدوانها، ومعناه أنه سيردّ على شمال فلسطين، ما يعني عودة الحرب من جديد. لكن أعتقد أنّ الحزب اتّخذ قراراً بالتزام التهدئة، أي لا عودة الى الحرب وانما الدفاع عن النفس مشروع، وفسّروها كما تريدون. وعليه، فإن مرحلة الستين يوماً هي مرحلة خطرة جداً والأهم وسيتبيّن من اليوم وحتّى الأعياد ما إذا كان نتنياهو سيُشعل الحرب مجدّداً ـ لا سمح الله ـ وله مصلحة في ذلك، بعد أن يكون قد استراح لأسبوعين أو لثلاثة أسابيع”.