تحوّلت التعقيدات المتصلة بتعثر تأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزف عون من إطار شبه تقليدي لعملية توزيع الحصص الوزراية إلى كباش يتسم بالخطورة حيال التوازنات السياسية الجديدة في البلد الناشئة عن تبدلات كبيرة لا يبدو أن مخاض ولادة الحكومة سينجو من تداعياته. ذلك أن المتصلين بكل من رئيس الحكومة المكلف نواف سلام وقيادة حزب “القوات اللبنانية” لمسوا في العمق حرصاً لدى الجانبين على تذليل كل العقبات التي تحول دون نشوء أي احتمال لابتعاد “القوات” عن التشكيلة الحكومية من منطلق أن الرغبة في الشراكة الحكومية المقبلة يكمل رحلة التغيير الكبير الذي انخرطت فيه “القوات” بقوة عبر انتخاب الرئيس عون وتسمية الرئيس سلام. كما أن الرئيس المكلف لا يسعه اطلاقاً تجاهل معنى نشوء حالة نفور من أول الطريق مع مكونات أساسية تحظى بتمثيل مسيحي ثقيل كما هو عليه واقع حزب “القوات”. تبعاً لذلك كان يفترض أن تتسم الساعات الـ48 الأخيرة بمناخ مختلف عن ذاك الذي طغى على المشهد الحكومي بحيث تصاعدت سحب التشكيك في ولادة حكومية سلسة في الساعات المقبلة وبدأت تتردد سيناريوات تتسم بتراجع التوقعات المتفائلة باستعجال الولادة الحكومية. كل ذلك عزته الأوساط المتابعة عن كثب لتعقيدات تأليف الحكومة الى حلول “ساعة الحقيقة” التي نتجت عن خوض واقعة وزارة المال والتي انتهت الى مصلحة التسليم للثنائي الشيعي بتسمية من رشحه لها وهو الأمر الذي أخرج الكباش حول الحصص إلى معركة خيارات سياسية تجاوزت مطالب القوى المسيحية المعترضة على “الفوقية” التي قوبلت بها طروحاتها وبدأت اطلاق رسائل إعادة تصويب الموقف على قاعدة رفض التسليم بما تعتبره “ازدواجية المعايير” وممالأة الابتزاز الذي تتهم به الثنائي الشيعي. وبدا أفق التعثر في عملية التأليف كأنه انتقل إلى مرحلة متطورة من التعقيد إذ أن حركة الاتصالات والمشاورات بلغت ذروتها بين الرئيس سلام وموفد معراب إيلي براغيدي في الساعات الأخيرة. وبينما أفيد أن العقدة الشيعية حُلت انكب الرئيس المكلف على محاولة معالجة العقدة القواتية حيث رفعت القوات الصوت ضد سلسلة ممارسات تطلب توضيحات حيالها وإلا ستحجب الثقة عن الحكومة العتيدة ولن تشارك فيها. وقد سألت أوساط قواتية في هذا السياق: “هل أخذ الرئيس المكلّف تعهّدًا من “حزب الله” عن السلاح وعن التدقيق الجنائي؟ وماذا عن المعايير؟ نريد أجوبة من سلام على هذه الأسئلة”.
ووفق مناخات الاحزاب المسيحية فإن هذه الاحزاب لا تشعر بأن السلطة الجديدة على مقلبي الرئاسة والحكومة مدركة لأهمية اللاعبين الداخليين في مرحلة الحكم المقبل. بل هي تعبّر عن خيبة بأن يكون ما تصفه بـ”رد الجميل” لدورها ومساهمتها، لا يعدو كونه عملية تهميش لموقعها وحجمها. وتشير إلى أنه ليس من باب الصدفة أن يعطي الرئيس المكلف الحصة الشيعية شبه كاملة للثنائي وفق ما يريد، ويسمي إلى جانب حصته في التمثيل السني، حصة وازنة في التمثيل المسيحي، عبر تمسكه بتوزير الوزيرين السابقين طارق متري لنيابة رئاسة الحكومة وغسان سلامة لوزارة الثقافة ناهيك عن وزير الداخلية. وفيما يحتفظ رئيس الجمهورية بتسمية وزير الخارجية ناجي أبو عاصي التي تطالب بها “القوات” ووزيري الدفاع والعدل، يكون حزب “القوات اللبنانية”، الممثل لأكبر كتلة نيابية في المجلس خارج الحقائب السيادية الأربع، فيما يظهر أن حجم الحصة 3 حقائب هي الاتصالات والطاقة والسياحة، علماً أن حزب “القوات” غير متحمس للطاقة في المرحلة القصيرة لعمر الحكومة كونها حكماً حكومة انتقالية في الوقت الفاصل عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
ومع ذلك أشارت المعلومات المتوافرة مساء أمس إلى تكثيف لتبادل الاتصالات والمشاورات عموماً لتذليل ما تبقى من تعقيدات أمام ولادة الحكومة بما يوحي بتقدم في طرح الحلول لهذه التعقيدات يفترض أن يتبلور في الساعات المقبلة.
(النهار)