رضوان عقيل – النهار
لم يكن مفاجئاً إقدام إسرائيل على تنفيذ سلسلة من الاعتداءات في الجنوب والبقاع في إطار مخططها ضد “حزب الله” أولاً، وكل لبنان ثانياً، مع التحذير من وقوع “الانفجار الكبير” في البلد.
تثبت الوقائع على الأرض أن لا شيء يردع تل أبيب عن استكمال هذا المسلسل من الضربات، حيث بات من الواضح أنها تعمل على خطين: مواصلة عملياتها العسكرية، واستهداف كوادر الحزب وترسانته العسكرية، وخلق المزيد من البلبلة والانشقاقات في الداخل السياسي اللبناني، بالإضافة إلى جرّ حكومة لبنان إلى مفاوضات سياسية مباشرة.
يلخّص تصريحٌ للنائب حسن فضل الله موقفَ الحزب من توجّه إسرائيل إلى تطبيق معادلة “الترهيب بالدم والنار”، ويغمز من قناة الحكومة في عبارة “الضعف في اتخاذ شجاعة القرار وعدم القيام بالتصدي المباشر لهذه الغطرسة”، مع توجيهه النقدَ “لمن يستفيد في الداخل ممّا يحصل، وتبني الادّعاءات الإسرائيلية التي تروج للحرب من جديد للتخلص من المقاومة، وسعي البعض للعودة إلى أوهام 1982”. كذلك لم يأت من فراغ كلام الرئيس نبيه بري في دعوته إلى “تنقية الخطاب السياسي والالتفاف حول الدول ومؤسساتها” في وقت تبدو فيه إسرائيل “المستفيد الأول” من تجاوز القرار 1701.
وأمام الضغوط، تتوجّه الأنظار إلى “حزب الله” ودعوته مجلس الوزراء والجيش وكل المعنيين إلى الرد على إسرائيل ومنعها من متابعه حربها التي لم تنتهِ من طرفها. وتدور بالفعل نقاشات عدة حيال هذه المواجهة عند كلّ الأفرقاء، خصوصاً لدى الحزب والبيئة الشيعية.
وثمّة فكرة، تعبّر عنها كوادر شيعية لا تخالف الحزب، وتبلورت عندها قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار -وفق الكوادر-، تقوم على قاعدة أن ميزان القوى قبل توقيع الاتفاق لم يكن مناسباً لمصلحة الحزب، وأنه من الصعب ترسيخ اليد العليا في هذا الاتفاق؛ وأنه كان من الأفضل وقف عملية التفاوض آنفاً ومواصلة القتال لأسابيع إضافية، “خصوصاً أن الظروف الميدانيّة تحسّنت، مما يجعل الإسرائيلي أكثر خضوعاً لما تريده المقاومة ولبنان. لكن الاتفاق، بعد حصوله بهذه الطريقة، أظهر أن المشكلة تتمثّل بأن بنيامين نتنياهو ينظر إليه على أنه أوراق لا قيمة لها، ولا يعنيه منها سوى البند الرابع الذي يتناول حق الدفاع عن النفس؛ ونتنياهو والجانب الأميركي لا يفهمان الاتفاق إلا أنه يسمح لإسرائيل بالتصرف تلقائياً واستهداف أيّ هدف تريده”.
ويعتقد أصحاب هذه الرؤية بأن لا قدرة عند الجانب اللبناني على اتقاء الضربات، وبالتالي فالمطالب والاحتجاجات لا قيمة لها مع العدو، حيث لا ينفع معه إلا التصرف في الميدان، لأن هذه العملية في اليومين الأخيرين تُبيّن أن الإسرائيلي لن يتوقف عن الاستهداف بذريعة أم بغيرها، وهو لن يتراجع عن توجيه الضربات في الأصل. وسيبقى هذا الأمر مستمراً إلى أن تصل الأمور إلى لحظة انفجار يمكن أن يُعيد تصحيح توازن القوى.
في غضون ذلك، يتوقف الحزب أيضاً عند مواقف “القوات اللبنانية” ورصدها للحزب في الحكومة والتصدّي له.
وتبقى أكثر الأسئلة التي تدور في أوساط عدّة في لبنان والخارج هي معرفة موقف الحزب من الحديث الذي يسيطر على المشهد، وهو: كيف يتعاطى مع الدعوات إلى المفاوضات مع إسرائيل؟
ومن يدُر في فلك هذا المكون السياسي والطائفي يعتقد بأن لا أحد في لبنان يأخذ لبنان إلى المفاوضات بكل هذه السهولة بفعل جملة من الاعتبارات، وبأن التهديد الحقيقي يبدأ بفرضه على لبنان عند انخراط كل الدول العربية في التطبيع، حيث يبدأ هناك الاستحقاق وإرغام لبنان على الدخول في هذه العملية. لكن “المطلوب في هذه المرحلة تدجين اللبنانيين وتأهيلهم على فكرة إزالة أيّ عائق صوتيّ ضد التطبيع”.