علي حيدر – الأخبار
يأتي العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية أمس، استمراراً للاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية المتّبعة منذ ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، وتصعيداً جديداً وفق أكثر من معيار، بالاستناد إلى حسابات سياسية تشمل المتغيّرات الداخلية وانعكاسها على طاولة التقدير السياسي والأمني في كل من تل أبيب وواشنطن.
مع ذلك، ينبغي أن لا يغيب أيضاً أن هذا العدوان يندرج أيضاً ضمن استراتيجية عدوانية إقليمية تنتهجها إسرائيل على مستوى المنطقة، وتشمل – حتى الآن – لبنان وسوريا إضافة إلى غزة، فيما تتولّى الولايات المتحدة المهمة في مواجهة اليمن. بمعنى أنه ترجمة أيضاً لتحولات في العقيدة الأمنية الإسرائيلية في أعقاب «طوفان الأقصى».
وهذا ليس استنتاجاً تحليلياً فحسب، إذ تمّ الإعلان عنه رسمياً وورد في دراسات صادرة عن معاهد أبحاث وعلى ألسنة خبراء مختصّين. ومن الواضح أن حزب الله من بين الأطراف التي يشملها هذا التحوّل، خصوصاً أن الحرب لم تؤدِّ إلى إضعاف حزب الله إلى مستوى يجعل تهديد قدراته هامشياً، فضلاً عن أنها لم تؤدِّ إلى إنهاء تهديده.
ويتزامن هذا العدوان مع حملات سياسية وإعلامية وتهويلية داخلية تهدف إلى تخلي المقاومة عن سلاحها، وإلّا سيكون هناك مزيد من الاعتداءات والضغوط، ولن تكون هناك إعادة إعمار.
اللافت في عدوان أمس أنه يشمل منطقة بيروت عبر استهداف ضاحيتها، من دون التذرّع بكونه ردّة فعل على صواريخ أُطلقت على الكيان كما حدث سابقاً. ويعني ذلك أنه يمكن للعدو التذرّع بأي ذريعة مشابهة في أي وقت للمبادرة إلى مثل هذا الاعتداء وتوسيعه إلى سيناريوهات أشد خطورة ووقعاً في أكثر من مجال.
وبالمقارنة مع محطات سابقة، يُلاحظ أن هذا العدوان يأتي في سياق مسار بدأ بعد اتفاق تشرين الثاني الماضي، كان التركيز فيه ابتداءً على سياسة التنكيل والتدمير التي اعتمدها جيش العدو في قرى الحافة الأمامية، وانتقل لاحقاً إلى تكثيف اعتداءاته شمال نهر الليطاني، وصولاً إلى البقاع. ومن ثم استهداف العاصمة، متذرّعاً بصواريخ لم تكن للحزب علاقة بها كما بيّنت التحقيقات، وبالتوازي مع استمرار الاغتيالات والاعتداءات في مناطق أخرى.
ويؤشّر العدوان في بعده الجغرافي وسياقه وتوقيته وكونه ابتدائياً، إلى أنه أتى ترجمة لقرار سياسي من حيث أصل الاعتداء وتوقيته ونطاقه وحجمه، أكثر من كونه مرتبطاً بسياق أمني، بهدف رفع مستوى الضغوط السياسية والنفسية على المقاومة وبيئتها، بعدما تبيّن أن الضغط والتهويل سابقاً لم يحقّقا النتائج المؤمّلة. كذلك يهدف للقول إن هذا الاعتداء هو محطة في سياق متواصل.
ومن أهم ما يستند إليه العدو في هذا المستوى من الضربات هو أن رهانه على مفاعيلها يرتبط أيضاً بملاقاتها للضغوط الداخلية، وأن من سيقوم بمهمة تزخيم مفاعيلها السياسية والنفسية، قوى وشخصيات وأجهزة إعلام لبنانية تتبنّى علناً مطلب نزع سلاح المقاومة، وتراهن على العدو الإسرائيلي في مواصلة اعتداءاته.
مع ذلك، أصبح من الواضح أن العدو يدرك أهمية الوقت في ما يتعلق بإمكانية تحقيق الأهداف السياسية الاستراتيجية من الحرب. ولذلك يبدو مع واشنطن في عجلة من أمرهما، إدراكاً وتقديراً منهما بأن حزب الله يستغلّ هذا الوقت لاستكمال عملية النهوض والترميم، وهو أمر ليس خافياً ولا سرياً. بل هو من أهم مزايا نهج الحزب في كل المحطات السابقة التي واجهها.
ويبدو أن هذه المخاوف انسحبت أيضاً على من يراهنون على الإسرائيلي فبدأوا يعبّرون عن مخاوفهم وعن ضرورة نزع سلاح حزب الله خلال أشهر معدودة، وإلا فإن اتجاه الرياح قد يختلف بما يؤدي إلى تراجع هذا الزخم، في أقل التعابير. أو ربما يقرّر فيها حزب الله الانتقال إلى مرحلة جديدة.
في الخلاصة، لم تكن هناك حاجة إلى معلومات خاصة للقول إن العدو سيواصل اعتداءاته، والتقدير نفسه ينسحب أيضاً على ما بعد هذا العدوان. لكنّ التحدّي الآن هو: هل تنتقل الحكومة اللبنانية إلى مرحلة تنفيذ امتلاكها قرار الحرب والسلم في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وعلى الأقل لحماية بيروت إن لم يكن كل لبنان، أم أن هذا الموقف سيبقى حصراً في مواجهة المقاومة؟