أزمة “مجهولي الهوية” في سوريا…بعد توقف التسجيل المدني لدى السلطات السورية

الثلاثاء ٢٧ أيار ٢٠٢٥

أزمة “مجهولي الهوية” في سوريا…بعد توقف التسجيل المدني لدى السلطات السورية

يعجز السوريون، منذ الثامن من ديسمبر كانون الأول 2024، عن إنجاز أي معاملة تتعلق بالأحوال المدنية (النفوس)، جرّاء توقف مديرية “الشؤون المدنية” في عن تسجيل الواقعات الجديدة وإصدار البطاقات الشخصية للمواطنين، لتكتفي بإصدار بعض الوثائق التي يحتاجها المواطن لإكمال وتنفيذ معاملاته في الدوائر الحكومية.

ويكشف مصدر في مديرية الأحوال المدنية في محافظة اللاذقية لـ “إرم نيوز” أن وزارة الداخلية السورية أوقفت العمل ببرنامج تسجيل “الواقعات” المدنية منذ سقوط نظام الأسد، مما يعني تعليق تسجيل الولادات والوفيات وعقود الزواج، دون تقديم أي تفسير رسمي حتى الآن.

وأكد المصدر أن هذا التوقف يشمل جميع المحافظات السورية من دون استثناء، كما أنه يطال السفارات السورية في الخارج؛ ما أدى إلى تعقيد إجراءات المواطنين السوريين المغتربين.

“أنا مجهول”
يشكو “يحيى” الذي خرج من سجون الأسد في 8 ديسمبر الماضي، من أنه “مجهول” تماما من دون أي وثيقة رسمية. ويقول لـ “إرم نيوز” إنه ولد من جديد ولكن بلا بيانات تدل عليه، بعد أن فُقدت هويته الشخصية داخل أحد الأفرع الأمنية في العاصمة السورية، التي كان معتقلا فيها، والتي تعرضت للحرق والنهب عند اقتحامها من قبل مسلحين محليين ليلة سقوط الأسد.

واليوم، كما يقول، يصارع يحيى منذ ستة أشهر تقريبا للحصول على أي وثيقة رسمية للتعريف عن نفسه أو إثبات شخصيته، ليستحصل أخيرا على ورقة (مؤقتة) مختومة من مركز الأحوال المدنية في اللاذقية تفيد بأن هويته مفقودة، لكنها لا تعينه على إنجاز أي معاملة ضرورية ما لم يحصل على بطاقة شخصية جديدة.

ويعاني السوريون المقيمون في الخارج بشكل مضاعف من هذه المشكلة، حيث يواجهون صعوبة في تسجيل مواليدهم الجديدة، وهو ما حصل مع “أيهم” الذي يعمل في المملكة العربية السعودية منذ 9 سنوات. يقول الرجل لـ “إرم نيوز” إنه استصدر شهادة ميلاد لطفلته من السلطات السعودية، وقام بتصديقها من السفارة السورية ووزارة الخارجية السعودية، إلا أن السفارة السورية رفضت تسجيل المولودة في السجلات المدنية، بحجة عدم توفر نظام إلكتروني يسمح بذلك.

أخبار ذات علاقة

وأضاف؛ أن الحل الوحيد الذي قُدم له هو إرسال الوثائق إلى سوريا عبر شخص موثوق، ليتم تسجيل المولودة باليد في دوائر الأحوال المدنية داخل البلاد، وهو ما قام به قبل أكثر من شهر، دون الحصول على أي رد حتى الآن. ويخشى أيهم من أن عدم تسجيل الطفلة يحرمها من الحصول على جواز سفر وإقامة قانونية في السعودية.

تحدٍّ مشابه واجهه إبراهيم في ألمانيا، ولكن بشكل مضاعف، الأول يكمن في عدم تثبيت زواجه؛ ما يعوق قدرته على زيارة سوريا مع عائلته أو إجراء المعاملات القانونية، أما التحدي الثاني فيتمثل في عدم تسجيل ولادة طفله، ما يعني عدم وجود أي إثبات قانوني بخصوص نسبه، وذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشكلة تثبيت الزواج.

فراغ قانوني
ومع غياب الوثائق الأصلية أو صعوبة تصديقها من الجهات الرسمية السورية، يجد السوريون أنفسهم في حالة من الفراغ القانوني، حيث تترك هذه الفجوة آثاراً مباشرة على حياة الأفراد وعلى حقوقهم الأساسية، كالحصول على الإقامة، أو تسجيل الأطفال والسفر، ما يجعل هذه الأزمة واحدة من أبرز التحديات الإدارية والحقوقية التي تواجه السوريين في الداخل، كما في دول اللجوء والإقامة.

وحتى اللحظة، لا تزال وزارة الداخلية السورية تلتزم الصمت حيال الأسباب الحقيقية وراء تعليق تسجيل الواقعات المدنية، في وقت تتزايد فيه شكاوى المواطنين داخل سوريا وخارجها من تعطل مصالحهم بسبب هذا القرار. ويقول مواطنون سوريون إنه إذا كان الأمر مفهوماً في الشهر الأول من تولي السلطة الجديدة لإدارة البلاد، إلا أنه بات “موضع شك” بعد ستة أشهر من سقوط نظام الأسد.

المحامية السورية والناشطة في حقوق الإنسان، ريما أوشو، قالت لـ “إرم نيوز” إن استمرار هذا “الفراغ” يدعو للتشكك بالفعل، خاصةً أن أحدا من مسؤولي السلطة لم يخرج ليوضح أسباب هذا التجميد، بل يمر بهدوء شبه تام في وسائل الإعلام الرسمية.

وتضيف “لا يمكن اعتبار ذلك مجرد خلل بيروقراطي مؤقت أو قصور فني، وإذا حاولنا النظر إليه عبر الربط بين تحولات السكان والتنمية والاستقرار، فإن هذا التوقف يشير إلى أزمة أعمق، تتجاوز مجرد نقص في البيانات، وتمتد إلى بنية الدولة ووظيفتها.”

مئات الآلاف خارج السجلات
وفقا لأحدث التقديرات المعتمدة على بيانات من الأمم المتحدة ومصادر مثل (MacroTrends وTheGlobalEconomy.com)، فإن سوريا شهدت خلال الفترة من 9 كانون الأول 2024 إلى 20 أيار 2025 ما يقارب: 269 ألف ولادة جديدة و55,4 ألف حالة وفاة.
وهذه الأرقام التقديرية، تستند إلى حسابات تستوفي شروط الانضباط الديموغرافي، وتكشف أن مئات آلاف البشر دخلوا أو غادروا الحياة في سوريا خلال هذه المدة من دون أن تُوثّق أسماؤهم رسميا، وذلك في بلد يعاني أصلاً من فجوات واسعة في سجلات الأحوال المدنية منذ عام 2011، وبالتالي فإن توقف التسجيل يُحوّل الفجوة إلى هاوية.

في دراسة أنجزها الباحث السوري مازن بلال حول القضية التي تؤرق السوريين على اختلاف فئاتهم، يرى بلال أنه “وفق نهج يعتمد على استخدام المعطيات السكانية لتوجيه السياسات العامة، فإن غياب التسجيل الرسمي يُفقد الدولة أداة جوهرية لرسم السياسات، من توزيع الموارد، إلى التخطيط للخدمات الصحية والتعليمية، وحتى تقدير سوق العمل أو تعويضات المتوفين.”

ويضيف “سوريا اليوم تُدار عملياً في الظلام الديموغرافي، مع عدم وجود إحصاء رسمي منذ 2024، والاعتماد على تقديرات متضاربة بسبب الحرب والنزوح، وتجميد التسجيل يمثل قطعا نهائيا للخط الرفيع الذي كان يربط الدولة بمجتمعها من خلال الأرقام”.

ويحذر بلال من خطورة ما يجري فيقول “عند تحليل الظاهرة في سياق أوسع، يمكن القول إن سوريا تتحول إلى نموذج لما يمكن تسميته بـالدولة المفككة سكانيا، حيث تفقد الدولة وظائفها الحيوية في التوثيق والتنظيم السكاني، ويحل محلها واقع غير رسمي، أو فوضوي، أو مسيطر عليه من قوى غير مركزية مثل الإدارة الذاتية شمال شرق البلاد أو سلطات الأمر الواقع في المناطق الأخرى”.

مضيفا “في هذا النموذج، يتولى المجتمع المحلي أو العائلة مسؤولية إثبات الوجود القانوني للأفراد، ما يفتح الباب أمام انتهاكات قانونية، وحرمان من الحقوق، وتفاقم ظاهرة (اللاجئين داخل وطنهم)، ممن لا يستطيعون إثبات نسب أو وراثة أو جنسية.

ماذا يحدث؟
يكشف مصدر في الشؤون المدنية بدمشق فضّل عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالتصريح، أن جذر المشكلة يعود لإهمال النظام السابق تطوير شبكات البيانات، إضافة إلى سعي تحديث الشبكة الجديدة بحيث يتم دمج شبكات إدلب وشمال حلب مع الشبكة الرئيسة”.

ويشير المصدر في حديثه لـ “إرم نيوز” إلى أن السلطات السورية تقوم حاليا بإصدار بعض الوثائق، كإخراج القيد، والبيان العائلي، ووثائق أخرى قد يحتاجها المواطن السوري في الدوائر الحكومية الأخرى، أما ما يتعلق بوثائق تسجيل الواقعات الجديدة أو إصدار الهويات الجديدة، فهو متوقف حتى يتم الانتهاء من عمليات صيانة وترميم شبكة البيانات”.

ويوضح المصدر “لا يمكن تسجيل وتخزين المعلومات على الشبكة المتواجدة حاليا، تلافيا لأي خطأ قد ينتج في المستقبل.”

لكن المحامية أوشو تخشى من أن الأزمة أعمق مما تبدو أو مما يتم تصويره، “قد يكون التجميد انعكاسا لعجز إداري تراكمي، لكن هذا الاحتمال، رغم واقعيته، لا يفسر التوقيت ولا الصمت الرسمي.”

وتلفت إلى مسألة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم وإمكانية تجنيسهم كنقطة يجب الوقوف عندها، أو “ربما استعدادا لإعادة ربط قواعد البيانات كما يُشاع ببرامج خارج سوريا (تركيا)، ومن هنا يصبح البعد السياسي مرجحا” حسب قولها.

فيما يرجح بلال بأن السلطات السورية تواجه غالبا أزمة تضارب بين ما هو موجود فعليا على الأرض وما هو موثّق رسميا، بسبب النزوح واللاجئين والعائدين، ولذلك “ربما اختارت السلطات، ضمن هذا السيناريو، التوقف مؤقتا لتفادي اعتراف ضمني بفقدان السيطرة الإدارية على بعض المناطق أو تسجيل ولادات غير مرغوب بها سياسيا.”

ويضيف “ثمة احتمال أن يكون القرار جزءا من استراتيجية مركزية لتجميد قاعدة البيانات السكانية بهدف إعادة ضبطها لاحقا”.

معدل نمو.. “الأعلى في العالم”
الخبير الاقتصادي السوري أيهم أسد يعرب عن قلقه من أن هذه المشكلة تتزامن مع معدل نمو سكاني مرتفع في سوريا، والذي بلغ عام 2023 نحو 4.86%، وهو من أعلى المعدلات في العالم كما يقول، ويعزى إلى ارتفاع معدل الولادة (20.53 لكل ألف) مع معدل وفيات منخفض نسبيا (0.5 لكل ألف)، وهذه الزيادة، كما يقول، تعني أن هناك ضغطا سكانيا متصاعدا على دولة تفتقر لأدوات السيطرة والتنظيم والموارد.

أخبار ذات علاقة

ويضيف “مع عدم تسجيل الولادات، فإن هذا النمو يصبح “نموا شبحيا”، لا يمكن تتبعه، ولا قياس أثره، ولا حتى الإقرار به رسميا”.

ويخلص أسد إلى أن “ما يحدث في سوريا اليوم ليس مجرد مشكلة بيروقراطية، بل انهيار للصلة بين الدولة وسكانها، فالتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية لا يمكن أن تنجح من دون قاعدة سكانية واضحة ومحدثة، وإعادة تفعيل التسجيل الحيوي، ولو من خلال شراكة مع منظمات دولية، والتي يجب أن تكون أولوية وطنية.”

ويحذر الباحث بلال من أنه “من دون إحصاء وبيانات، لا توجد سياسة. ومن دون سياسة، لا مستقبل، متسائلا: هل بات السوري يولد ويموت خارج التاريخ الرسمي لبلده؟

شارك الخبر

مباشر مباشر

06:21 pm

إجتماع عمل لجابر مع المدير الاقليمي للبنك الدولي خُصص للبحث في مشروع إعادة الاعمار

06:16 pm

بن فرحان التقى المبعوث الأميركي إلى سوريا

06:15 pm

حزب الله يدين العدوان على اليمن: هذا التمادي الإسرائيلي ما كان ليحصل ‏لولا الغطاء الأميركي

06:05 pm

تنديداً بـ«حمام الدم» في غزة.. ناشطون يصبغون نافورة باريس باللون الأحمر

06:02 pm

“حماس” تعلن التوصل لاتفاق مع ويتكوف على “إطار عام” لوقف النار

06:01 pm

مرقص عرض ورئيس مجموعة MBC التعاون الإعلامي

05:46 pm

مستشار ألمانيا: سنساعد أوكرانيا في إنتاج صواريخ بعيدة المدى

05:45 pm

المشاط من مطار صنعاء: ندعو المسافرين حول العالم إلى تجنب الطائرات المتجهة إلى مطار “بن غوريون” لأنها ليست آمنة

05:42 pm

نتنياهو: حقّقنا إنجازات لم تحدث منذ قيام إسرائيل

05:39 pm

طبيب أميركي تطوع في غزة: مرضاي كانوا أطفالا مصابين بشظايا ونساء حوامل بترت أحواضهن

05:32 pm

جريح نتيجة تصادم بين مركبتين على طريق انفاق المطار سبب بازدحام مروري بالاتجاهين

05:17 pm

بيان لدار الفتوى…عشية انتخاب رئيس بلدية طرابلس ونائبه

05:10 pm

رسامني جال والوفد الاماراتي في مرفأ بيروت والمطار: نطلب مساعدتنا في مجال المواصلات والطرق

04:50 pm

شراكة دولية لتوسيع شبكة الكهرباء في سوريا

04:44 pm

كالاس: يجب ان تتوقف إسرائيل عن استهداف المدنيين ومنع إدخال المساعدات

04:44 pm

مصادر مفوضية شؤون اللاجئين بلبنان لـ”سكاي نيوز”: قرار التوقف التدريجي لتقديم المساعدات سببه محدودية التمويل

04:40 pm

التشيك تتّهم الصين بالضلوع في هجوم إلكتروني على وزارة الخارجية

04:37 pm

إعلام عبري: حرب غزة كلفت إسرائيل 40 مليار دولار حتى نهاية 2024

04:27 pm

الامارات تستدعي السفير الإسرائيلي لإبلاغه إدانتها الانتهاكات بحق الفلسطينيين

04:26 pm

السيد الحوثي: العدو الإسرائيلي بقي في موقف ضعيف عقب توقف العدوان الأمريكي نتيجة فشله

04:18 pm

ليلة الحسم.. مواعيد مباريات الجولة الأخيرة في الدوري المصري

04:15 pm

المطران عوده افتتح وحدة الطوارئ في مستشفى مار جاورجيوس: أي تقصير في خدمة أي إنسان ضعيف سنحاسب عليه

04:07 pm

كمين لمخابرات البقاع …يوقع مجموعة من المهربين في كفرزبد!

04:06 pm

مؤسسة غزة الإنسانية تعلن وقف توزيع المساعدات بسبب الشغب

03:57 pm

6 قتلى بانقلاب مركب يقلّ مهاجرين في جزر الكناري الإسبانية

03:52 pm

بسبب محدودية التمويل من الدول المانحة…لا استشفاء للنازحين ابتداء من هذا التاريخ!

03:49 pm

بالفيديو- إنقاذ شخصين من قبل القوات البحرية في الجيش بعد غرق مركبهما قبالة مرفأ صيدا التجاري القديم

03:37 pm

بوتين يطرح شروطه لوقف الحرب مع أوكرانيا ويطلب تعهّداً مكتوباً

03:31 pm

عقب قصف إسرائيلي.. الخطوط اليمنية تعلن وقف رحلاتها عبر مطار صنعاء

03:28 pm

بعد موسكو.. فيدان يزور أوكرانيا الخميس

03:22 pm

وزارة الصحة: جريح في الغارة على العباسية

03:11 pm

وزير خارجية عمان: المفاوضات النووية مستمرّة

03:08 pm

عراقجي: لا نمزح مع أحد بشأن حقّ التخصيب

03:05 pm

انتخاب كريم سركيس رئيساً لإتحاد بلديات المتن الأعلى وقاسم المصري نائباً للرئيس

03:01 pm

سلطان عمان يقيم غداء على شرف بزشكيان قبل توديعه

02:56 pm

لجنة الشؤون الخارجية طالبت بمضاعفة العمل لوقف الاعتداءات الاسرائيلية وأقرت مشروع قانون قرض ال250 مليون دولار والاتفاقية مع المنظمة العربية للتنمية

02:54 pm

المفتي دريان إطلع من وزير الداخلية على نتائج العملية الانتخابية

02:51 pm

“التحكم المروري”: قتيل نتيجة انزلاق دراجة نارية قرب سيتي مول نهر الموت باتجاه اوتوستراد المتن السريع

02:45 pm

القوات البحرية تنقذ شخصَين من الغرق مقابل مرفأ صيدا التجاري القديم(بالصور)

02:25 pm

غروسي: التوفيق بين وجهتي النظر الإيرانية و الأميركية بشأن التخصيب ليس مستحيلا