من الظلم القول إن الأسماء التي جرى تعيينها في مواقع رسمية بواسطة الآلية التي وضعتها الحكومة أو في التشكيلات الديبلوماسية التي أجرتها الأخيرة، ليس أصحابها من ذوي الكفاءات أو المؤهلين للمواقع التي حلوا فيها.
كتب على لبنان ألا يصل إلى عالم الوظيفة إلا المحسوب على زعامات طائفية وسياسية وحزبية مع بعض الاستثناءات. وإذا كان موظف اجتاز مباريات مجلس الخدمة لمدنية أو وزارة الخارجية أو معهد القضاء أو الكلية الحربية، فإن أكثر هؤلاء ينجحون بجدارتهم، ولكن عندما يصلون إلى سلم الوظيفة والترقيات العليا لا يمكنهم الهروب من الاستعانة بزعامات طوائفهم لتثبيتهم في وظائف الفئة الأولى التي تسحر الكثيرين.
وضعت حكومة الرئيس نواف سلام آلية لإفساح المجال أمام كل الطامحين من المتبارين. ولم تخل تعيينات مجلس الإنماء والإعمار وهيئة “أوجيرو” من تفضيل اسم على آخر، حيث تمتع محظيون بدعم واضح من مرجعيات سياسية.
يدافع وزير التنمية الإدارية فادي مكي عن الآلية المتبعة، حيث يتم وضع ثلاث علامات على الأسماء الأربعة في غربلة نهائية، بواسطة مكي والوزير المعني ومجلس الخدمة المدنية. وليس من الضرورة تعيين الاسم الأول من بين الأربعة المؤهلين، وتبقى سلطة الاستنسابية هنا لمجلس الوزراء. ويعترف مكي بهذا الأمر، لكنه يقول إن الأسماء التي تصدرها الآلية وترسلها للحكومة “مؤهلة مئة في المئة”.
أمام هذا المشهدية، ومع التعويل على اختيار المتقدم وتعيينه، يتم الالتفاف على الآلية في الشق المتعلق بها، وإن كان المدافعون عن الأخيرة وفي مقدمهم مكي يقولون إن ما يجري اتباعه “هو الأفضل”.
أما في التعيينات الأمنية والقضائية والمالية، ومع عدم اكتمال عنقود الأخيرتين، فلا تغيب عملية “تقسيم الجبنة”، حيث لا يغيب هذا التقليد عن كل العهود.
أقرت الحكومة التشكيلات الديبلوماسية وعينت ستة سفراء من خارج الملاك، من بينهم أسماء لامعة ومستحقة وأخرى “عادية” لا تمكنها مؤهلاتها من تجاوز مباراة رئيس دائرة في مجلس الخدمة المدنية.
وتتجه الأنظار إلى التعيينات المالية، وأبرزها النائب العام المالي الذي يتمسك به الرئيس نبيه بري عبر طلب تعيين القاضي زاهر حمادة، مع الإبقاء على وسيم منصوري في نيابة حاكمية المركزي. ويكتفي بري بالرد هنا على سؤال لـ”النهار” بأن الموضوع “عند الحكومة”، لكن لسان حال فريقه يقول: “لماذا عندما يتم الوصول إلى الأسماء الشيعية تحصل كل هذه الضجة؟ هل ما ينطبق على القاضي يوسف الجميل ممنوع على زميله حمادة؟ وسبق لوزراء الثنائي تأييدهم كريم سعيد في حاكمية مصرف لبنان. فلمَ الاعتراض على منصوري رغم كل الإشادات التي تلقاها من مختلف الأفرقاء إبان قيادته سفينة مصرف لبنان؟”
وتضيف أصوات شيعية مواكبة: “لماذا يتم تعيين المسيحيين والسنة والدروز بهدوء على عكس الحال عند الشيعة؟”
ومن ذيول التعيينات الأخيرة، إحداثها ضجة في صفوف كبار الموظفين في الدولة، وقد مضى على وجود بعضهم أكثر من ربع قرن، وهم من الفئة الأولى، ولا يتجاوز راتب الواحد منهم ألف دولار، فيما سيتقاضي من حل في مجلس الإنماء والإعمار نحو 8 آلاف دولار شهريا . ويقول مكي إن الهدف هو جذب كبار أصحاب الطاقات إلى أكثر من أدارة. ويترك الموضوع المالي للحكومة.
ما لم تسوّ هذه المسألة، يلوح مديرون عامون بالاعتكاف وعدم قيامهم بالشؤون الوظيفية المطلوبة منهم احتجاجا على هذا “التمييز المالي” في الإدارة.
ويبقى “توزيع الجبنة” علة في الإدارات، وعبثا يحاول المعنيون البناء والنهوض بالإدارات ولو من دون تعميم.
مرة أخرى تسقط الرحمات على فؤاد شهاب وكتابه الذي يجري تمزيق صفحاته على وقع كل “موشحات” الإصلاح.